استشاراتالشبهات

قلت له: أنت عبد السيجارة!

  • السؤال:
صديقي يدخن السجائر، واعترضت عليه قائلاً: لقد أصبحت عبدًا للسيجارة.
فما رأيكم بهذا القول؟ وخاصة ذكر كلمة (عبد) مع توضيح معناها.
وشكرًا.

 

  • الجواب:

أخي الكريم؛
مرحبًا بك ضيفًا عزيزًا على صفحتنا، وبعد..

فإن كلمة (العبد) قد يُعنَى بها مَن هو غير الحُر، وقد تكون بمعنى الأسير، فحين يكون الإنسان أسيرًا لشهوته، فيصح أن يقال عنه: إنه عبد الشهوة، ومن كان المال كل همه في الحياة، يجمعه من الحلال والحرام، فهو عبد المال؛ لأن المال استخدَمَه، وجعل المال كل همه، فكان بمنزلة العبد من سيده.
وحب الإنسان للشيء حتى يصل إلى درجة العَمَى، وإظهار الحرص عليه بخلاف ما أباح الله، يصح إطلاق لفظ العبودية عليه.
وهذا هو المقصود، حين رأيت – أخي الكريم – زميلك مصرّا على التدخين، فقلت له: (لقد أصبحت عبدًا للسيجارة) فليس هناك إثم شرعي في هذا، إن كان الذي يدخن أسيرًا للتدخين، يدخن بشراهة، ولا يستطيع الاستغناء عنه.
والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ سَخِط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).
قال الإمام ابن حجر في شرح الحديث: (عبد الدينار، مجاز عن الحرص عليه، وتحمل الذِّلة من أجله، فمن بالغ في طلب شيء وانصرف عمله كله إليه صار كالعابد له).
وقال أيضًا: (عبد الدينار، أي طالبه، الحريص على جمعه، القائم على حفظه، فكأنه لذلك خادمه وعبده).
وقال الطيبي: (قيل: خُصَّ العبد بالذكر، ليؤذِن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها، كالأسير الذي لا يجد خلاصًا، ولم يقل: مالك الدينار ولا جامع الدينار؛ لأن المذموم من المُلك والجمع الزيادة على قدر الحاجة).
وقال غيره: (جعله عبدًا لهما لشغفه وحرصه، فمن كان عبدًا لهواه لم يصدق في حقه: “إياك نعبد”، فلا يكون من اتصف بذلك صِدِّيقًا). 

هذا من ناحية الحكم الشرعي، أما من ناحية السلوك الدعوي، فقد تعلمنا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أرأف الناس وأرحم الناس، وقد وصفه ربه سبحانه بقوله: (بالمؤمنين رءوف رحيم).
وما أحوج الدعاة إلى الله تعالى أن يكونوا رءوفين رحماء بمن يدعونهم، فليست دعوة الإسلام تسُلطًا على رقاب الناس، أو أن الإنسان ينتظر خطأ أخيه حتى يكيل له الكلمات الجارحة، ولكن نحن نقدم ما علمناه وما عرفناه بتواضع وخشية، وشفقة على مَن ندعوه، ولنتذكر قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ولو كنتَ فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
وهذه الآية نحسب أنها قاعدة عظيمة من قواعد الدعوة إلى الله تعالى، وما أحوجنا أن نقرأ كتاب الله تعالى، لنستخرج منه قواعد الدعوة إليه سبحانه. 

  • والمطلوب منك أخي الفاضل:

– أن تكون رقيقًا في نصحك لأخيك، وأن تكون منه بمنزلة الطبيب من المريض.

– أن تتلطف قدر الإمكان في المعالجة، وأن تتدرج منه في التخلص من مشكلته.

– أن تقرأ في كيفية معالجة المشكلة التي أمامك، فكل مشكلة لها طبيعة خاصة.

– أن تعرف مداخله التي يمكن التأثير من خلالها، و قد عُرِف قديمًا أن أول التأثير الإحسان للإنسان، كما قال الشاعر الحكيم:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فلطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ

– الاستعانة بالله تعالى أن يوفقك لطاعته، فالمرء كما أنه في حاجة إلى عون الله في أمور الدنيا، فإنه في حاجة إلى عونه في أمور الآخرة.

– كما أننا في حاجة عند دعوة الناس أن ندعوهم إلى أسس الدين وأركانه، التي لا يصح إيمان المرء إلا بها، ثم نتدرج معهم في أن يتركوا ما حرُم، قلَّ أو كثُر، وخاصة أن كثيرًا من الناس يحسب أن التدخين ليس حرامًا، بناء على فتاوى سابقة لبعض العلماء في وقت لم يكن يُعلَم فيه ضرر التدخين.
وحين نبث في نفوس الناس ونربيهم على ترك ما حرَّم الله؛ لأن في فعله انتهاكًا لحرمات الله تعالى، وأن الإنسان حين يخطئ فإنما يخطئ في حق الله، فساعتها نجد الاستجابة من الناس؛ لأننا بنينا الأصل جيدًا، فكان من السهل مجيء الفرع.
ولعل في الرجوع إلى السيرة النبوية يتضح منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة الأخطاء، فلما جاءه شاب وطلب منه أن يأذَن له بالزنى، لم ينهره، وإنما استخدم معه الحوار العقلي: (أتحبه لأمك؟)، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: (كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟)، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: (كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟) وزاد ابن عوف أنه ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداك، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: (اللهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه)، فلم يكن شيء أبغض إليه منه، يعني الزنى. رواه أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح.
فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يطرح الأسئلة عليه، وجعله هو بنفسه ينفي الفعل، ويقر برفضه، فكان يسيرًا أن يقتنع الشاب، حتى أصبح الزنى أبغض شيء عنده.
وفي حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء – أو سَجلاً من ماء – فإنما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعَثوا مُعسّرين).
فانظر إلى رد فعل الناس، ورد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فحاول – أخي – أن تصل مع صاحبك إلى إقناعه بأضرار التدخين، وأن تُوجِد له برنامجًا عمليّا لتركه، فساعتها يتركه، بعد أن قوَّيتَ عزيمته، وشددتَ من أزره، ونصحتَ لله، داعيًا إلى الله، فتنال ثواب الله تعالى، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًۭا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ).
والله نسأل أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى