- السؤال:
حصلت على درجات غير جيدة في مادتين من المواد التي أدرسها، وذهبت للأستاذين الذين يدرسان ليّ هاتين المادتين، لكنهم أخبروني بأنني لا أستحق أكثر من هذه الدرجات، وأنا أعرف أنني أستحق المزيد، وأريد أن تصلح الدرجات.. ولا أدري ماذا أفعل؟ فهل إذا دعوت الله بذلك يستجيب ليّ خاصة ونحن في هذا الشهر الفضيل.. شهر رمضان؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، وعليه آله وصحبه ومن والاه: وبعد…
الأخ الكريم:
شعور الطالب بأنه لم يتحصل على درجات عالية في الامتحانات أمر طبيعي، يكاد يكون موجودا عند غالب الطلاب، فكل طالب يرى بعينه الأشياء، وغالبا ما يرى أنه قد أجاب عن المطلوب في الامتحانات بجدارة، أو على الأقل يقدر لنفسه تقديرا أعلى مما يستحق، وهذا -في ظني– يرجع إلى أمرين:
الأول: أنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالظلم، وأن يضع اللائمة على غيره، فهذه طبيعة توجد في كثير من بني البشر.
الثاني: أن الطلاب لا يفرقون بين طبيعة المذاكرة، وطبيعة الامتحانات، فقد يذاكر الطالب المادة جيدا، لكن لا يكون عنده فن التعامل مع الامتحانات. صحيح أن المذاكرة هي الأساس في الإجابة، غير أنها ليست كل الأسس، فكثير من الطلاب يأخذ السؤال بعنوانه في الكتاب، وربما يكون المقصود غير هذا.
وربما يركز الطالب على حفظ المادة دون فهمهما، ولهذا يكون من الأخذ بالأسباب التمرس على كيفية أداء الامتحانات، ومعرفة طبيعة كل أستاذ يدرس له، ومنهجه في وضع أسئلة الامتحان، وغيرها من الأسباب التي تساعد الطالب كثيرا في الحصول على درجات مميزة.
هذه -يا أخي الحبيب- مقدمة لابد منها، لأنها قد تساعدك في تصحيح الصورة، وربما تقرب من الوجهة الصحيحة للمسألة عندك.
- أما عن قضية الدعاء،
وأنه ربما يغير من الحال الواقع، فهذا من حيث المبدأ صحيح، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، غير أنه قبل الدعاء يجب الأخذ بالأسباب، لأن الله تعالى جعل من قوانين الحياة على الأرض قانون السببية، ثم بعد الأخذ بالأسباب واستنفاد كافة السبل الممكنة يأتي الدعاء والتوجه إلى الله.
وفي حالتك –يا أخي- إن كنت غير متأكد من صحة الدرجات بدرجة كافية، فالطريق أن تطلب إعادة تصحيح ورقة الإجابة، في هاتين المادتين، وهذا هو الأخذ بالأسباب، وأحسب أنه يمكنك قبله أن تكلم بعض الأساتذة المقربين من الأساتذة المكلفين بتصحيح هاتين المادتين، حتى يكون طريقا لحل الأمر بشكل سلمي، من باب المعاملة بالحسنى، فإن استشعرت أن هناك ظلم يغلب على ظنك أنه وقع بك، فاطلب إعادة تصحيح الأوراق..
وبعد هذا ومعه يكون الدعاء، وما يقدره الله تعالى لك هو خير دائما، ويجب أن نوطن أنفسنا على أنه من المحتمل أن نكون نحن المخطئين، وليس لازما أن نكون نحن المظلومين، فكل إنسان يرى بعينه هو لا بعين غيره.
وحل الأمر يأتي بالمجادلة بالحسنى، وإن كان الله تعالى قال لنا في جدال أهل الكتاب {وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}، فإنه من باب أولى أن نتجادل فيما بيننا بالحسنى، وتأتي هنا وظيفة الدعاء في أنه يفتح أبوابا للأخذ بالأسباب، وأن ييسره الله تعالى، وتلك وظيفة الدعاء في حياتنا.
وليس معنى الدعاء أنك عندما تدعو الله أن يصلح لك درجاتك، يقوم الأستاذ من نومه فإذا به يصحح ورقتك دون أن يكون هناك سعي، لا.. فالسعي أمر مطلوب على وجه الوجوب، وقد قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، وقال أيضا: {وَأَنَّ سَعْيَهُۥ سَوْفَ يُرَىٰ}.
أما ما كان يرد من كرامات من الله تعالى لبعض عباده الصالحين، فإنها ليست الأساس في الحياة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن كل أفعاله معجزات، بل الدنيا تبقى على قواعد بنائها؛ وفقا لنواميس الله تعالى وسننه في الكون، كما أن الدعاء وحده لا يجلب الكرامات، بل الكرامات هي تفضل محض من الله تعالى لبعض عباده بما يراه الله تعالى، وهي تتم بحكمة منه سبحانه تعالى، فإنه سبحانه ما يقدر شيئا إلا وله حكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
- وختاما أقول لك:
خذ بالأسباب وراجع الأمر جيدا، وشاور فيه بعض أساتذتك ممن تثق بهم قبل البدء في أي خطوة، ثم أكثر من الدعاء، واعلم أن قدر الله تعالى كله لك خير. وفقك الله لما يحب ويرضى… آمين.. وتابعا بأخبارك.
- د. مسعود صبري