استشاراتالشبهات

حب الدنيا والآخرة: اجتماع أم افتراق؟

  • السؤال:
هل يمكن للإنسان أن يصل لمحبة حقيقية لله ورسوله طالما أن في نفسه شيئا ولو بسيطا من حب الدنيا ومباهجها؟ كيف يمكن الوصول للمحبة التي أعلنها عمر بن الخطاب في قوله للرسول: “الله ورسوله أحب إلي من نفسي”؟

 

  • الجواب:

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأخت الفاضلة :

جاءت نظرة الإسلام للإنسان مختلفة عن العقائد الأخرى، فلا هي إغراق في المادية، ولا هي تعذيب للنفس في التوغل في الروحانيات دون الاهتمام بالجسد، فجاء الإسلام متكاملا شاملا،يجمع بين الربانية بما فيها من الروحانية، والإنسانية، بما في ذلك الاهتمام بأمور الإنسان الدنيوية.

وجماع ذلك كما قال أحد الصالحين : “ألا تكون الدنيا في قلبك، ولو كانت في يدك”.
كما أن ضابطها ألا يقدم الإنسان شيئا من أمر الدنيا على أمر الله تعالى، مصداقا لقوله تعالى : {قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ}.

فإن كان هناك أمر الله وشهوة للنفس، قدم أمرالله، وكذلك الحال إن كان هناك أمر لغير لله، فيقدم أمر الله تعالى، مصداقا لقوله تعالى :”إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا”. سواء أكان هذا الحكم في القضاء، أم في الأمور الفردية أو الجماعية، فالمطلوب تقديم أمر الله على كل أمر.

ومن عظيم أمر الإسلام أنه جعل الأمور الدنيوية إذا فعلها الإنسان بنية صالحة، يثاب عليها، فتدخل في أمر الدين والأجر والثواب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “واللقمة تضعها في في(أي فم) امرأتك، لك بها صدقة”، وقوله صلى الله عليه وسلم “وفي بضع أحدكم صدقة”.

فليس عندنا في الإسلام انفصالية بين الدين والدنيا، فالإسلام دين ودنيا، كما أشار القرآن الكريم : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُۥ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ}.

فيمكن أن يكون الإنسان محبا لله ورسوله، وله نصيب من الدنيا، فما دام حلالا، لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةًۭ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْـَٔايَـٰتِ لِقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ}.
ولعل مما يشير إلى هذا التكامل في الإسلام، حديث الثلاثة الذين أتوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فكأنما تقالوها، فقال أحدهم :أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: فأقوم ولا أرقد، وقال الثالث: وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج. فأخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال لهم :” أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فهذه سنتي، ومن رغب عن سنتي فليس مني”.
فالضابط في هذا أن يكون الإنسان في المباح الذي أتاحه الله له، ولا تنافي بين حب الله، وبين رغبات النفس فيما أحل الله.

نسأل الله تعالى أن يجعل الآخرة همنا، وأن نكون من أبنائها، وأن يرزقنا الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا.

اللهم آمين

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى