- السؤال:
هناك موجة عقلية في حياة بعض المسلمين ترفض الإيمان بالغيب لأنه شيء غير مرئي، ويعمل بعض الشيوعيين على تشكيك المسلمين في دينهم من خلال إنكار الغيب، فكيف نواجه هذا الطوفان؟ |
- الجواب:
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
فالحديث عن الغيب يختلف من متحدث لآخر، فنحن كمسلمين نؤمن بالغيب، لأنه جزء من العقيدة، والمسلم يطالع الإيمان به في أول القرآن، حين يفتح سورة البقرة، وحديث الله تعالى عن المؤمنين،فيصفهم بأنه “يؤمنون بالغيب”، وفصلت السنة النبوية هذا الغيب.
أما في الحديث عن غير المسلمين، فيجب أن يكون خطابا عقليا في المقام الأول، لأنهم لا يؤمنون بنصوص شرعية، بل حتى هذه النظرة العقلية نحن في حاجة إليها مع المسلمين، ولكن ليست في المقام الأول، وإنما هي من باب الإرشاد والدعم العقلي للإيمان القلبي.
وكثيرا ما يثار التشكيك فيما يخص الغيب أن يشكك المشككون في وجود الله تعالى، وننساق وراءهم لنرد هذه الشبهة، ولكن الذي أومن به أن الله تعالى ليس غيبا، والانجرار وراء أن الله غيب يجب الإيمان به، ضرب مرفوض، فالله تعالى معنا، نؤمن بوجوده كما نؤمن بحياتنا وكلامنا وأفعالنا، كون الشيء غير مرئي الآن لا يعني أنه غير موجود، أو أنه أصبح من الغيب، فكم من الأشياء التي نؤمن بوجودها، ولا نقول إنها غيب، إن كثيرا من الناس لا يرون كثيرا من البلدان، ومع هذا ما شكك أحد في وجودها، والناس يؤمنون بالتاريخ القديم والأحداث التي وقعت و الحروب والحضارات والإنجازات والمفاسد البشرية، وغيرها من حركة الكون والحياة في السياسة والاقتصاد والفنون والتعليم والثقافة وغير ذلك كثير.
وهذا يعني أننا يجب أن نفرق بين الغيب، وبين غير المرئي لنا، فما شكك أحد في وجود آنشتين ونظرياته العلمية، ولا في وجود حتى محمد صلى الله عليه وسلم، فهم يؤمنون بوجوده، وإن كان البعض يطعن في رسالته، وهم لا ينكرون آثار النبي صلى الله عليه وسلم، ولا آثار كثير من البشر ممن كان لهم إسهام تاريخي، فكيف ينكر وجود الله تعالى وآثاره كلها دليل واضح لا يغيب إلا عن أعمى البصيرة لا أعمى البصر.
نحن نؤمن بوجود تيار كهربائي مع أننا لم نر هذا التيار، ونؤمن بوجود الهواء، ولم نر الهواء، وقديما قال الأعرابي: البعر يدل على البعير، والسير يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج.. ألا يدل ذلك على الله الواحد القهار.
ولهذا، فإننا يجب علينا حين نتحدث عن الله ألا نتحدث عن غيب، وقد قال تعالى لموسى {إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ}، وقال {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ}، وغير ذلك من الأدلة.
ونحن كمسلمين نؤمن بالغيب أيضا، وهو جزء من الإيمان البشري، فالناس يغيب عنها أشياء، ولكنهم يؤمنون بوجودها، وليس كل شيء يراه الإنسان بعينه، ولكن العلم بالشيء له طرق كثيرة، منها النقل عن الثقات الموثوقين، فتاريخ البشرية نؤمن به عبر من نقل لنا، مع كون هذه العلوم دخلها تزوير وتحريف، ولكن المسلمين لهم منهج في التثبت في قبول المعلومات ليس موجودا في أي أمة من الأمم، بل إن المناهج العلمية الحديثة أخذت عن علماء الفقه والأصول والحديث وغيرها من علوم الإسلام المنهج في التثبت والنقل .
كما أن الاهتداء بالفطرة النقية، دون تعصب يجعل المرء يرى بقلبه، ولهذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الفطرة، حين قال: “كل مولود يولد على الفطرة”، ولكن التلوث البشري هو الذي يقلب الحق باطلا والباطل حقا.
ونحن نتعامل مع مثل هذه الشبهات بأن نسمع ممن عندهم هذه الشبهات، وأن نرد علينا بمنطق وحكمة، وأن ندعو كل من عنده شبهة ألا يخفيها في نفسه، بل يجب أن يقولها حتى لا يكون بابا للشيطان في إبعاد الناس عن حقيقة التوحيد، الذي هو غاية الوجود.
- د. مسعود صبري