استشاراتالشبهات

اسودت الدنيا في وجهي.. ابتلاء أم عقاب؟

  • السؤال:
إنني يا سيدى دائما أمر بظروف صعبة جدا اقتصادية ومادية ومعنوية ونفسية. ويشاء القدر دائما أن يكون زملائى من المتيسرين، فكنت أشعر بالضآلة لذلك. ولكنى كنت دائما من المتفوقين، ولذلك كانت لى مكانة جيدة وسطهم، وكنت دائما محبوبا من الناس وأساتذتى بفضل الله تعالى. وليس هذا فقط ولكن كان أعمامى أعمام سوء سرقونا ونهشوا لحومنا. وكانوا يكيدون لنا الدسائس ومنعونا من خير كثير. وكنت دائما عندما أدخل مجالا أدخل أصعبه، بينما زملائى يدخلون أيسره، وهذا منذ صغري يا سيدى مما تسبب فى اضطرابات نفسية لى، وكنت قبل أى امتحان تأتى المصائب حتى تمنعنى عن المذاكرة بموت فلان أو مشاكل أعمامنا وخلافه. ومع ذلك كنت أنجح وأتفوق. وعندما كنت أحصل على مال سواء من أبى أومن عملى كان كل مليم يصرف على إما مرض أو دين أو أى شيء آخر، ولا أنتفع بأى مليم على نفسى. ودائما ما نحلم به يأتى متأخرا جدا لدرجة أنك لا تبتهج بمجيئه ويزداد الاكتئاب. وأصبحت أكره المستقبل؛ لأنه أصبح لى ظلاما، ومع ذلك لا أيئس من رحمة الله. ودائما أفكر أن أشكو حالى لأيسر على نفسى، ولكن أشكو من، أشكو ربى كما تعلمت من صحابية نهرت زوجها لشكوه حال فقرهم لرسول الله. بينما دائما أسمع مشاكل أصحابى وأسرى عنهم. وسؤالى: هل ما أنا فيه ابتلاء أم عقاب من الله (لأنى منذ صغرى على ذلك ودائما فى إحباط) وكيف أعرف ذلك وكيف أصبر على ما أنا فيه؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الحبيب:

ربما تتعجب كم أنا مسرور لإرسالك لنا، وأن نتعرف على شخصية مثلك، فقد حباك الله تعالى كثيرا من الصفات الطيبة التي لاحظناها من خلال رسالتك.

أما عن سؤالك، فإن نظرة الناس تختلف إلى الأشياء، فالعين قد تنظر إلى مواطن القبح، هي هي يمكن لها أن تنظر إلى مواطن الجمال، فالشيء الواحد في الغالب ليس له وجه واحد، بل له وجهان.
ويعجبني قول الشاعر الحكيم:
”كن جميلا ترى الوجود جميلا.”

إن ضيق اليد قد يكون ابتلاء من الله، وقد يكون إهمالا من الإنسان، وتركا للأخذ بالأسباب.
وقد يجعل المرء نفسه يعيش في ضيق وضنك، ويمكن أن يجعل حياته حلوة، فيها من السعادة، فيصنع من البؤس سعادة وابتهاجا.

وكما ترى نفسك تكن.

لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتفاءل ولا نتشاءم، بل جعل التشاؤم من الأمور المرفوضة.

ومن العجيب أن الابتلاء قد يحمل معنى النعمة لا النقمة فالبلاء له معنيان:

  • الأول: الإنعام، و هو بذل النعمة للغير، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلَـٰٓؤُا۟ ٱلْمُبِينُ}.
  • الثاني: الاختبار و الامتحان بالخير أو الشر، كما في قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}. 

وللبلاء حكم عديدة، أهمها:

1- تمحيص الله لعباده، قال تعالى: {حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ  ٱلطَّيِّبِ}.

2- و قد يكون الابتلاء قصاصاً في الدنيا مما تقترفه أيدي العباد، و جزاءً لهم بالسيئة على السيئة.
قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَ هَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ} [سبأ : 17] و قال سبحانه : {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً}.

3- و قد ينزل البلاء على العباد رفعاً للدرجات، و تكفيراً للخطايا و السيئات. قال رسول الله: (من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه)، وقال أيضا :(ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب و لا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
قال الإمام الغزالي رحمه الله: قال عيسى عليه السلام: لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب و الأمراض عليه؛ لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه.

فكون ما يحدث لك عقابا، ربما يكون هذا إن كنت تقع في المعاصي والآثام، ليكفر الله تعالى عنك، حتى تقابله وليس عليك خطيئة.
ونحسب أنه من رفع الدرجات لك عند الله تعالى، فارض بما قدر الله تعالى.

غير أن هذا لا يمنع أن تسعى لإسعاد نفسك، فالإنسان حين يحصر نفسه في دائرة، فيدور حولها، وكان من الممكن له أن يكون سعيه وحركته خارج الدائرة، فلا يلوم غيره، أو يلقي اللائمة على أحد، فما منعه أحد أن يخرج.

وحين يستشير الإنسان غيره في مشكلة له، لا يعني هذا أنه ساخط على قدر الله، بل هو يستعين بالله، ويأخذ برأي أولي العلم والحكمة، توكلا على الله، وأخذا بالأسباب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في معظم أموره، وهو الغني عن مشورتهم،ولكن ليعلمنا أهمية الشورى في حياتنا.

فاستنهض نفسك مما أنت فيه، وانظر مواطن النور، واسع إليها، وأحسن الظن بالله تعالى، واخرج عن حدود الدائرة التي تحصر فيها نفسك، ستجد الدنيا أوسع بكثير من هذه الدائرة التي سجنت فيها نفسك.

فإن صنعت كل هذا، ولم يتغير الحال، فاعلم أن الله يرقي درجاتك عنده، وأنه يفضل لك الآخرة عن الدنيا.
ومن مواطن الجمال في حياتك أنك إنسان متفوق في حياتك، وهذه من النقاط المضيئة التي يجب أن تنتبه لها، ولو نظرت في حياتك، لتلمست نعما كثيرة لله تعالى عليك.

كما أننا ننصحك بقراءة كتاب “جدد حياتك” للشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-، ففيه نظرة جيدة لترتيب العقل والفكر، ونظرة متفائلة للحياة، وسعيا للتغير الفعال للمسلم في حياته.

والله نسأل لك الخير في الدنيا والآخرة.
ونرجو أن تطمئننا على حالك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى