- السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ليّ أخ أكبر مني بأربع سنوات، لكنه يعاملنا معاملة سيئة، ويسعى لإثارة المشاكل معنا رغم أننا نبتعد عنه، ونحن لا نعتبره أخا لنا لأنه للأسف بلا قلب أو مشاعر، وأعتقد أن السبب ربما يرجع إلى كوننا أفضل منه في التعليم وفي فرص العمل، كما أنه يعق أمه، مما جعلها تغضب عليه، وقد قررنا أن نقاطعه، ورغم أن والدنا مازال حيا إلا أن كل بنت من أخواتي تنفق على نفسها. وسؤالي هو: أود أن اعرف هل تجنبنا له صواب أم خطأ؟ ونحن بمقاطعته نرتكب ذنبا؟! |
- الجواب:
الأخت الفاضلة:
زرع الله تعالى الرحمة في قلوب عباده، وسمى نفسه الرحمن الرحيم، فجعل اسمه الرحمن لجميع عباده مؤمنهم وكافرهم، واسمه الرحيم لعباده المؤمنين، وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ}، فلماذا نعتب على غيرنا قسوتهم ونحن قساة معهم، حتى إنكن تعتبرنه ليسا أخا لكن، ناسيات الرابطة التي جعلها الله تعالى بينكن.
وإنني قبل أن أجيبك -أختي في الله- عن موضوع استشاراتك أود أن أنبهك إلى بعض الحقائق المهمة، ومن أهمها: أن هذا الأخ هو أخوكن، شئتن أم أبيتن، وهو واحد من أسرتكن، ولن تنزعن هذه الصلة أبدا، لأنها ليست منكن، ولكنها من الله تعالى.
كما أنه يجب عليكن أن تبتعدن عن كل ما فيه روح العداء، ولو للمخطئين من أقاربكن، وأن تنزعن القسوة من قلوبكن، وأن تتعاملن معهم على أنهم مرضى يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية، وأن تحاولن أن تعرفن ما يدور في أذهانهم ورءوسهم، وأن تكن يدا حانية، ولو على قساة القلوب منهم، فقسوته ليست وليدة نفسه، ولكنها – في ظني– وليدة بيئات وأحوال وأحداث تعرض لها.
وليس عندي ما يسعفني في هذا، غير أني أومن أن الإنسان ابن بيئته، فإن وفرنا له البيئة الصالحة، كان صالحا، وإلا فلننتظر منه الشر، ولكنه ليس شرا متأصلا في النفوس، ولا متعمقا في القلوب، ولكنه شر هش، مثل زبد البحر، أو بيت العنكبوت ما أضعفه، وسرعان ما يزول لو وجد الطريق الصحيح للعودة، ولو وجد من تحنو عليه منكن وتأخذ بيديه إلى الحق والصواب.
أختي،
أما عن طريقة المعاملة لمن يسيء إليكن جميعا، أعني بذلك أخاكن، فأحسب أنها كما يلي:
1- أن تجمعن بين القوة والحنان، فلا أنتن تضعفن أمامه، ولا تقسين عليه بشكل دائم، بل اجعلن عندكن ميزان عدل، يفرق بين مواقفه الصائبة، فتشكرنه عليها، ومواقفه السيئة، فتعاتبنه فيها.
2- أن تنظرن من فيكن يمكن أن تصاحبه وتتعرف عليه بشكل كبير، وأن تدركن الدوافع وراء هذا السلوك العدواني الذي يناقض طبيعة البشر، فالولد بطبعه يحنو على أخواته، فهو يدافع عنهن، وإن كان يحب أن يكن له تبعا، وأن تسمعن له وتطعنه، وهذا غير صحيح، ولكن قد يكون لكونه الولد الوحيد بينكن فقد تدلل كثيرا منذ طفولته، فيمكن علاج هذا معه.
3- أن تقدمن له النصيحة دائما ولكن بشكل غير مباشر، فيمكن أن يطرح الأمر على هيئة استفسار، أو مشاركة، أو تبادل للرأي، أو أنكن جميعا تجتمعن معه فتناقشوا حالكم، وكل إنسان يخبر بما عنده، فتوجدن بهذا مجالا للحوار والمناقشة، وتثنين على كلماته الطيبة، وتراجعنه فيما يقول من الخطأ.
4- أقترح أن يكون هناك لقاءات خارج البيت، فالبيت بشكله وطبعه والمؤثرات القديمة والجديدة تجعل الإنسان ينظر إلى المكان بشكل معين بكل ما فيه، وليس بالطبع كل الناس، ولكن هناك فئة من الناس تنظر هكذا، ولا تفرق بين المكان الذي نصنعه نحن جميلا أو نجعله قبيحا، وبين الشخصيات التي تسكن هذا البيت.
5- أن تنظرن أصحابه والدوائر المحيطة به، والتي تؤثر فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحاولن أن توجدن له بيئة صالحة طيبة تؤثر فيه، لا أقصد أن يكونوا ممن يأخذون شكل التدين المعهود، ولكن المهم أن يكونوا ممن يتصفون بالأخلاق الفاضلة، وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يصاحب.”
6- الدعاء له في الصلوات وأوقات السحر، وغيرها من الأوقات الفاضلة، أن يهديه الله تعالى إلى أحسن الأخلاق، ومع الصدق يأتي الفرج إن شاء الله.
7- وختاما؛ إن نفذت منكن السبل، وأعيتكن الحيل، فيمكنكن اللجوء إلى المقاطعة بهدف الإصلاح، بشرط أن يغلب على ظنكن أنها ستؤتي ثمارها، وعلى أن تكون بمقدار معتدل وبمنتهى الحكمة، فقد قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة خمسين يوما لتخلفهم عن غزوة تبوك، كما آلى على نسائه شهرا صلى الله عليه وسلم . غير أنني هنا أود أن أؤكد لكن أن الأصل ألا يقاطع المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، ولكن هذا يكون في الحالات العامة، أما لو كانت المقاطعة بهدف إصلاحه وتمت بحكمة شديدة، فإنها – آنئذ- تكون ضرورية كالملح في الطعام.
نسأل الله أن يهدي أخاك لما يحب ويرضى، وأن يصلح أخلاقه، وأن يديم الود بينكم جميعا، إنه سبحانه قدير وبالإجابة جدير..
وتابعينا بأخباركم.
- د. مسعود صبري