- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا فتاة مسلمة في الخامسة والعشرين من عمري أعمل في شركة مرموقة. أحب الله كثيرا ودائما بداخلي رغبة شديدة في التقرب إليه أكثر فأكثر. قبل أن أعرض تفاصيل مشكلتي أود أن أعطيكم نبذة عن المحيط الذي نشأت فيه. نشأت بين أب وأم وثلاث أخوة وأخوات. لكن مع الأسف كان هناك تفكك بين الأب والأم. هذا التفكك بدأ صغيرًا ثم أصبح يكبر مع الأيام. كان أبي مشغولا بالسفر والعمل بالخارج، وكانت أمي هي التي تتولى تربيتنا. وبعد ذلك أنهك التعب أبي وأراد أن يستقر في جو هادئ بعيدا عن أي مسئولية. وللأسف أصبح شغل أمي الشاغل هو جمع المال بأي وسيلة لدرجة إهمال أولادها بحجة أنهم كبروا ولم يعودوا بحاجة إليها حتى أنها طلبت الطلاق من أبي عدة مرات. بسبب هذا الجو الذي أعيش فيه أصبحت أفتقد الحنان والارتباط الأسرى. افتقدت حنان الأم وكونها صديقة قريبة مني وافتقدت عطف الأب. بالإضافة إلى ذلك كان وما زال أبي وأمي يتصرفون بطريقة متناقضة ألا وهي أنهم يعبدوا الله ويصلون ويصومون وفي نفس الوقت تصدر منهم تصرفات كثيرة لا تمت للإسلام بصلة. نتيجة لهذا التناقض أصبحت أعاني من التناقض في شخصيتي. فأصبحت من داخلي أريد التقرب إلى الله وعبادته كثيرا (وأنا بالفعل أفعل ذلك بالصلاة والصوم وقراءة القرآن) والبعد عن الفحشاء والمنكر وفي نفس الوقت أرتكب الذنوب التي نهانا الله عنها. تلك كانت مقدمة مشكلتي. أما لب المشكلة هو أنني ارتبطت بشاب في نفس عمري منذ حوالي 8 سنوات منذ أن كنا في الجامعة. ولكن هذا الشاب كان يتأخر في دراسته. فتخرجت أنا من الجامعة وما زال هو يدرس الهندسة حتى الآن. كل عام كان يزيد ارتباطنا حتى فعلنا ما لم أكن أتمناه أن يحدث في يوم من الأيام ولكنه حدث ولن أبرر حدوثه حيث إنني أعلم جيدا أنه كبيرة من الكبائر. بعد ارتكاب الخطيئة تقدم هذا الشاب لخطبتي ووافق أهلي عليه؛ لأنهم وجدوا أنني أحبه ولكن رفضوا تنفيذ أي خطوة إيجابية في زواجنا أو خطبتنا حتى ينتهي من دراسته مع العلم أنه في مرحلة البكالوريوس. مع الأسف الشديد فشل خطيبي في دراسته هذا العام أيضا. وتوجه إلى أبي لكي يتناقش معه فرفض أبي فكرة استمرار خطبتنا. وأصبحت أنا في حيرة وتشتت. فأنا متحاملة عليه لأنه لو يفعل ما يثبت به حبه لي ورغبته في الزواج بي وفي نفس الوقت ما زلت أحبه أود أن أعطيه فرصة أخرى لكي يكمل دراسته علما بأنه يعمل حاليا مع الدراسة. أيضا نود نحن الاثنين أن نكفر عما ارتكبنا بأن نتوب الى الله ونتزوج الزواج الحلال لعل الله سبحانه وتعالى يغفر لنا ويرحمنا ويرزقنا بالذرية الصالحة التي قد تكون سببا من أسباب عفو الله عنا. لقد تحامل أهلي بما فيهم إخوتي على خطيبي وأصبحت لا أستطيع أن أدافع عنه. وقال لي أبي إذا كنت ما زلت ترغبين في الاستمرار مع خطيبك فلتتزوجوا دون أن يكمل دراسته وليتولى هو تحمل مسئوليتك ومصاريفك من مأوى وملبس ومشرب وكسوة وما إلى ذلك. أما أنا وخطيبي فنريد الاستمرار سويا أولا؛ لأننا نريد أن نكفر عما ارتكبناه سويا ونتوب إلى الله بالاستغفار والزواج الحلال ثانيا لأن أصبح بيننا مودة وحب. بالله عليكم ساعدوني وأعطوني الحلول الصحيحة التي ترضي الله أولا وترضي أهلي ثانيا وترضيني أنا وخطيبي أخيرا. شكرا مقدما على تعاونكم معي، وفى حفظ الله.. |
- الجواب:
تعودت أن أبدأ الإجابة بقولي: الأخت الفاضلة، ولكن اسمحي لي أن أقول فقط: أختي السائلة:
حاولت من خلال المقدمة أن تعطي لنا صورة عن البيئة التي نشأت فيها، ولا أدري، أتقصدين أن هذه البيئة أثرت فيك، فجعلتك تقعين في الحرام، بسبب الانفكاك الأسرى؟ فإن كنت تقصدين هذا، فأنا لست معك، وخاصة أن والديك ليسوا بالأشرار، كما أنك فتاة جامعية تخرجت من الجامعة وبلغت سنا ليست بالقليلة، وعندها خبرة بالحياة، ولكنها أخطأت، وهي تحاول أن تصحح خطأها مع من أخطأ معها..
وفي تقديري أن أهلك كانوا من أقل الناس تساهلا في التعامل معكما، فقد وافقوا على الزواج، وانتظروا فقط أن ينجح صاحبك لكنه ما نجح؟ فهل لوالديك ذنب في هذا؟ إنه صاحبك الذي لا يريد أن يجتاز سنة دراسية بعد رسوبه عدة مرات؟
بل لا أدري أين المشكلة؟ وقد قال لك والدك حسب ما قلت في السؤال: “لقد تحامل أهلي بما فيهم إخوتي على خطيبي وأصبحت لا أستطيع أن أدافع عنه. وقال لي أبى إذا كنت ما زلت ترغبين في الاستمرار مع خطيبك فلتتزوجوا دون أن يكمل دراسته وليتولى هو تحمل مسئوليتك ومصاريفك من مأوى وملبس ومشرب وكسوة وما الى ذلك”، فلا أدري عن أي تحامل تتكلمين، الرجل يقول لك: إن كنت ما زلت ترغبينه فتزوجوا، وهو يقوم بمسئوليته من كونه زوجًا يجب عليه الإنفاق على زوجته، فهل تريدين من والدك أن ينفق عليك وعليه حتى يتخرج؟
ولكن دعيني أناقشك في أمر مهم:
هل أنت مقتنعة بداخلك أن هذا الشاب هو أفضل الرجال زوجا لك، أم لأنكما وقعتما في المحظور فتريا أن التوبة إنما تكون بالزواج؟ فإن كان الأمر هو هذا، فإنه ليس شرطا أن تكون التوبة لمن وقعا في الحرام أن يتزوجا، بل الواجب عليهما التوبة إلى الله تعالى، ولكن إن كان بينكما حب كما تقولين، وترينه الزوج المناسب لك، فلا بأس بهذا، أما إن كان الأمر بداخلك أن زواجك منه تكفير عن الذنب، فإن التكفير عن الذنب بالتوبة إلى الله، وقطع الصلة به.
فاجلسي وفكري مع نفسك، ولا تحملي أهلك ما هم منه براء، فهم لا يعارضون، وكم من الأهل يعارضون الأنسب لابنتهم، لا لشيء إلا تعسفا ورفضا من وجهة نظر قد تكون غير صحيحة.
فاجلسي مع صاحبك، وانظرا الأمر جيدا، وفكرا فيه بشكل واقعي وواضح، واتخذا القرار المناسب، وقد قال لك والدك: إنه لا يمانع، فتزوجا ولينفق عليك..
والذي يهمني هنا هو توبتك إلى الله تعالى مما وقعت فيه من المحظور، فلا أدري كيف سلمت نفسك لرجل غريب عنك، ثم تدعيان الحب بعد ذلك؟
إن الحب يدفع الإنسان أن يحافظ على من يحب، وأول ما يحافظ عليها من نفسه هو، أما ذلك فقولي هي رغبة جنسية إن شئت، غير أن الحب أطهر وأعف مما تتحدثين عنه..
والطريق أمامكما، إما أن تعجلا بالزواج، وإما أن تنتظرا حتى ينهي صاحبك سنته الدراسية، وإما أن يذهب كل إنسان إلى حال سبيله.
اللهم إنا نستغفرك من كل ذنب ونتوب إليك.
- د. مسعود صبري