- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيراً على إتاحة الفرصة لنا باستشارتكم علماؤنا الفضلاء.. إنني متزوجة منذ 8 أشهر. كان وضعي الديني قبل الزواج جيدا جدا وكنت مداومة على الصلاة وصيام النوافل والأذكار وقراءة القرآن، إلا أنني بعد الزواج بدأ حبل تمسكي بالعبادات يفلت مني، هذا بعد أن رأيت من زوجي عدم التزامه بالصلاة؛ فقلما يذهب إلى صلاة الجمعة، وقلما كان يقرأ القرآن إلا إذا كان في رمضان أو إذا تهيجت مشاعره، وشعر بعدم قربه من الله عز وجل، عندها يدأب على الصلاة وقراءة القرآن فيكون حاله ذلك مؤقتا. وإنني يا أستاذي الكريم رغم تدني الوضع الديني لدى زوجي وحرصا مني على أن لا أُهمل عباداتي وأُعيد إحياء التزامي بالصلاة والذكر والتوكل على الله فإنني أحاول جاهدة بتوطيد العلاقة بين زوجي وبين العبادات ولن أتعب أو أمل. لذا يا أستاذي الكريم كيف لي بالحفاظ على شمعة الإيمان والالتزام عند زوجي بأن لا تنطفئ؟ وإذا طفت فكيف أُشعلها؟ وكيف يكون لي دوري الدعوي دون أن أؤذي زوجي بكثرة تقديم النصائح له؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة أسماء..
أولا أنا لست عالما، بل أنا أخ لك في الله، وعلى هذا الأساس نتناصح فيما بيننا، وسأسعى معك لمناقشة الأمر، ولكني أحب أن أؤكد على دورك أنت في أمرك، لكن ربما تجدين فكرة أو غيرها مما يعينك في الطريق إلى الله..
أختي أسماء، سعيد جدا بتلك الروح الطيبة التي لن تنطفئ –كما ذكرت– وسيبقى الأمل باقيا لإحياء علاقتنا مع ربنا بإذنه سبحانه، وهذا هو النور الذي يجب عليك أن تكثري منه ليبدد ظلام الروح، ويجعل الجسد كأنه مصباح مضاء دائما بحسن علاقته مع الله تعالى.
وفيما يخص مسألة الفتور عندك وعند زوجك بعد الزواج؛ فإن هناك مثلا يقول: “همك على قدر ما أهمك”؛ فنحن في حياتنا يهمنا عملنا ودخلنا وحياتنا وأنشطتنا الاجتماعية، والاهتمام بملابسنا وطبيعة حياتنا، وليس هذا عيبا، ولكن كيف ننشط للعمل، ولا نتخلف عنه إلا للظرف الطارئ، كيف نحيا حياة نحبها ونسعى لتحسينها، هنا نقول: إن الباعث النفسي والهمة في حب الشيء هي التي تدفع للحفاظ عليه وتطويره وتحسينه والاهتمام بشأنه ومراقبته إن زاد أو نقص.
والنتيجة من ذلك تعني أنه يمكن لنا أن نجعل أشياء أخرى في بؤرة اهتمامنا لتأخذ نفس المسار، ولكن يبدو أن الدافع لها غير متوفر، وأقصد هنا حسن العلاقة بالله تعالى كما تفهمينها.
- والمطلوب لنتحول من حالة الفتور والتقصير إلى حالة المحافظة والدوام هو الحب..
أن نحب الله تعالى.
أن نحب العبادة وندرك مغزاها ومقصودها وأن نعيشها..
أن نحب العمل الصالح ونسعى له.
أن ندرك أن حياتنا في الدنيا إنما هي محطة وليست دار قرار، وأن الجنة في انتظارنا.
أن نخرج من وهم العجز الذي نعيشه في نفوسنا، وأن ندرك أننا قادرون على التغير، إذا كانت هناك نية صادقة وعزم أكيد،وهمة عالية وإخلاص لله.
أن نعرف أن تغير حالنا من الأحسن للأسوأ هو من كسب عملنا، كما قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِ}؛ يعني ما كان الله تعالى ليغير حال الإنسان من النعمة والطاعة حتى يغير ما بنفسه من المعصية والبعد عن العمل الصالح.
أن تستفيد من معارف الحياة كعلم الإدارة وعلم النفس كيف نستطيع التغلب على النفس، وكيف نحافظ على أداء بعض الأنشطة في حياتنا، فإن كنا نحافظ على العمل كل يوم، فليس بالصعب علينا أن نحافظ على الصلاة، وأن نصل رحمنا.
وإن كنا نقرأ الجرائد والمجلات، ونمكث أمام التلفاز ساعات طوالا، فما الذي يحجبنا أن نقرأ القرآن وأن نستمع إلى دروس العلم.
وإن كنا نزور الحدائق والمزارات، فما الذي يحجبنا عن زيارة الله تعالى في بيته ومسجده ؟
إن عيش الإنسان في حالة من الوهم والعجز، متحججا بأنه لا يستطيع أن يفعل العمل الصالح، وإن كان يريد، هو بداية الداء، فمن كان يريد الصلاة وهو عاجز فليقم الآن، وليتوضأ وليصلي، فإنه سيخرق دائرة الوهم الذي يعيشه، ويرى نفسه حرا طليقا، يستطيع أن يفعل ما يشاء.
ولهذا، فإن التغيير يحتاج إلى صبر وهمة، كما قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ}.
- وما أنصحك به هو:
- أن تجلسي مع نفسك، وأن تحددي ما الأعمال التي تتكاسلين عن أدائها، وأن تكتبيها في ورقة بخط كبير واضح، وأن تعلقيها إن أمكن، فتكون معك دائما، فإن التذكر أدعى للدفع للعمل.
- أن تتدرجي في التغيير إن كان الأمر في حاجة إلى التدرج، أو تعلي من همتك في فعل المحافظة على الصلاة وقراءة القرآن.
- أن ترتبطي بالمسجد، فإن وسائل المحافظة على الالتزام والتدين دور العبادة، وما لها من أثر كبير، ففي المسجد يمكن لك الصلاة وقراءة القرآن ودروس العلم وغيرها من أنشطة الخير.
- أن تنظري لك صحبة صالحة تعينك على أمر دينك.
- أما فيما يخص زوجك،
فإنه يجب أولا عليك أن تتداركي نفسك، حتى تدعو زوجك لشيء تفعلينه، فيكون تأثير الدعوة أكبر، ثم بعد ذلك:
- يمكن لك الجلوس معه، في جلسة مصارحة و تذكير، لا تخاطبيه بتقصيره، ولكن اجعلي الخطاب لكما سويا: إننا مقصرون.. ما الذي حدث لنا.. كيف قصرنا في حق ربنا؟
- اتركي له المجال يقترح هو بعض الأشياء، ولا تمليه عليه حلولا إلا من خلال الاقتراحات التي قد يقبلها ويقرها.
- شجعيه كلما التزم بالصلاة أو قراءة القرآن، من خلال هدية أو فسحة، أو إعداد طعام جيد، وما شابه ذلك.
- كوني قدوة عملية له دائما، فإن كان مقصرا في الصلاة فتعمدي الصلاة أمامه، أو قراءة القرآن ونحوهما.
- حاولي أن تربطي نفسك وزوجك بالله تعالى، وأن تتذكرا سويا أن المقصود الأعظم من الحياة هو توحيد الله تعالى، وأن ذلك هو الغاية من الخلق.
- الاستماع إلى بعض الشرائط النافعة التي تتحدث عن عظمة الله تعالى وقدرته، وعن الجنة والنار، وعن الحساب، وعن حسن الخلق وغيرها مما يربطكما بالله تعالى.
- أكثري من الدعاء الله، فإنه لا مثل له، فبه تفتح الأبواب المغلقة، وييسر كل عسير، وهو من كنوز الله تعالى لخلقه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وفقك الله تعالى وإيانا لطاعته.. وتابعينا بأخبارك.
- د. مسعود صبري