استشاراتالدعوة

أريد برامج إيمانية.. الأمر أكبر من ذلك

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛
أستاذنا؛
من المشكلات التي نعانيها في الجانب الدعوي ضعف الجانب الروحاني لدى الداعية، وقد يكون للواقع الذي نعيشه دورٌ في ذلك، ولكن هل يمكن أن نوجد برنامجًا ندرِّب الداعية أو نعوِّده من خلاله المحافظة على الجانب الروحي لديه مرتفعا رغم هذه الظروف؟ لأن روحانية الداعية هي شرارة الانطلاق له في الدعوة، وكذلك في تأثيره.

نرجو نصيحتكم لتحقيق ذلك.

 

  • الجواب:

أخي الكريم؛

إن ما طرحته في سؤالك أمرٌ مهم يعانيه كل مهتم بأمر الدعوة الإسلامية، وأظن أن المجال لا يسمح لكثير من التفاصيل الواجبة في التعامل مع هذا الأمر، غير أنني سأشير إلى بعض الخطوط العامة التي أسأل الله أن تقدم لك نفعًا وفائدة بإذن الله.

مقاماتٌ في السير إلى الله:

 

  • المقام الأول، ترك المحظورات:

أول خطوة هي البعد عن الحرام، فهذا يهيئ النفس لتقبل الأعمال الصالحة ويجعل لها أثرا في القلب، وغير ذلك سيجعل المرء في صراع بين إقباله على الطاعات وبين ما يقع فيه من المحرمات.
لذلك فأول خطوة في رأيي هي جلسة مصارحة مع النفس يقوم فيها الدعاة برصد المحظورات الجماعية التي يقعون فيها مثل الانشغال بنقد الآخرين، واستعراض مساؤهم، أو ما قد ينتاب ممارستهم الدعوية من مخالفات، والتي قد تحول مجالس الذكر والدعوة والخير في بعض الأحيان إلى مجالس ثرثرة وغيبة مما قد يترتب عليه ضياع ثواب الأعمال الصالحة التي يقومون بها، أو يحملهم الإثم.
ثم الاجتهاد في التفكير بشكل جماعي في محاولة وضع برنامج عملي وواقعي لمعالجة مثل هذه المخالفات كنقطة انطلاق للارتقاء إلى الله.

الأمر الثاني أن يقوم كل داعية على حدته برصد أخطائه ومخالفاته التي يقع هو فيه، وهو في ذلك أدرى بنفسه، ثم يقوم بتقسيمها إلى مجموعات.. كبائر وصغائر.
وأن يهتم بالكبائر أولا ثم الصغائر، وأن ينظر في الكبائر إلى أيها اشد خطرًا عليه، وأكثرها ضررًا، فإن التغلب على الأصعب –مع الهمة العالية- يجعل علاج ما دونها أسهل، وأن يتأنى في العلاج بحيث يمكنه تفتيت المعصية، إذ لا يشترط في العلاج أن يستأصل الداء جملة، بل يمكنه في إطار معالجة المشكلة الواحدة أن يقسمها إلى عدة أهداف مرحلية يعمل على تحقيقها تباعا.. ثم إذا أنهاها يتابع في معالجة غيرها من الآفات والمحظورات حسب ضررها وخطرها، فيبدأ بالأخطر فالأقل فالأقل؛ ثم إذا انتهى –بفضل الله منها- انتقل إلى الصغائر.

وليس شرطًا أن يفرغ جهده كله في وقت ما لعلاج مشكلة واحدة، بل يمكنه العمل على علاج أكثر من آفة في وقت واحدة إن وجد إلى ذلك سبيلاً.

  • المقام الثاني، فعل الواجبات:

وفي مقام الطاعات، فإن عليه أن يركز ابتداءً على الفرائض حتى يحقق الانضباط الأفضل فيها، بحيث لا ينشغل عن الفرض بنافلة.. فإن الله لا يتقبل نافلة شغلت عن أداء فريضة.
وأن ينظر في أداء الفرائض إلى أحبها على قلبه، حتى يكون ذلك دفعة له لالتزامها، فإن خير العمل ما وافق الشرع والهوى.
وأن يتدرج في التزام الفرائض كما فعل في اجتناب المحظورات.

  • المقام الثالث، البعد عن المكروهات والشبهات:

وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل القلب موطن الإيمان، فإنه قد أشار إلى أن إتيان الشبهات والمكروهات مما يفسد القلب، فقال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه.. وأن يتدرج ويتدرب في هذا الأمر كسابقيه.

  • المقام الرابع، المحافظة على النوافل:

والنوافل هي كل ما حث الشرع على أدائه بطريق غير واجب.
وأداء النوافل من أهم الوسائل التي تقرب العبد من ربه، وتصفو بنفسه، وتزكو بروحه؛ وفي الحديث: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه..) رواه البخاري.

 

  • المقام الخامس، مقام الإحسان:

والمقصود به أن يبتعد المسلم عن المحرمات، وأن يأتي الفرائض، وأن يجتنب المكروهات والشبهات، وأن يحافظ على النوافل بطريقة متقنةٍ أقرب للكمال في الأداء، وفي الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم، فعلى المسلم أن يحسن صنعته تركًا أو فعلاً، إتيانًا أو اجتنابًا.

  • أما بخصوص البرامج

فيجب أن يكون هناك تفكير لوضع برنامج لتحقيق تفاصيل كل مقام من المقامات السابق الإشارة إليها، وهذا ما لا يسع المجال لتفصيله، وفي هذا المقام ندعو الجماعات القائمة بأمر الدعوة إلى الله أن تشغل البرامج الإصلاحية حيزًا من وقتها وتفكيرها، لأن هذا يصب بشكل مباشر في تحقيق كثير من أهدافهم، أو على الأقل تمهِّد الطريق لهم بشكل كبير إلى ما يصبون إليه.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى