استشاراتالدعوة

الداعية بين التميز وحب الظهور

  • السؤال:
السلام عليكم، أنا أعمل في هيئة دعوية غير رسمية، ومشكلتي أني أسعى دائما إلى التميز مما يسبب لي كثيرًا من المشاكل؛ فلا أعلم أن مشكلتي حب الظهور والرياء أم ماذا؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

الأخ المتميز، يجب عليك أن تدرك أن السعي للتميز غالبا ما يجلب المشكلات، وهذه ضريبة التميز إن كان التميز يعني السعي للتجديد والابتكار، وألا يركن الإنسان إلى المألوف عادة، وأن يعيد التفكير في أشياء ما لم تكن مسلَّمة؛ فأرى أن التميز شيء جميل في حياة الناس؛ لأنه وليد التجديد الذي هو سمة من سمات الأمة، على أن يكون هذا التجديد ليس ثورة على الثوابت، بل هو ابتكار لوسائل جديدة تظهر محاسن الأصول، وإعادة تفكير لما يمثل صورا كانت بنت بيئتها وزمانها، وابتكار وسائل تناسب المخاطبين بالدعوة بما يتماشى مع زمانهم وبيئاتهم.

ولا شك أنك ستجد من المعارضين في الدعوة لكل تجديد وابتكار وتميز، غير أن هذا يجب ألا يمنع أن نفكر لدعوتنا، محافظين على الأصول والثوابت، مجددين في الوسائل والهياكل، ساعين أن نقنع غيرنا بما أداه إليه اجتهادنا، بما أمر الله تعالى به: “ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ”، وهذا عام لكل من ندعوهم لشيء، حتى لو كانوا من إخواننا الدعاة.

وفي الوقت ذاته يجب علينا أن نفتح أذهاننا وعقولنا لمقترحاتهم، بل نستمع لهم أيضا كما نطلب منهم أن يستمعوا إلينا، و أن نقبل منهم كما نطالبهم أن يقبلوا منا، فالابتكار والتميز في الوسائل وطرق العرض مما يمد الدعوة بالحياة، ويجعلها – في الغالب – محل قبول عند الله، ثم عند الناس ما كان القصد حسنا، والنية صالحة.

  • غير أن هذا التميز يجب أن يكون منضبطا بعدة أمور، أهمها:

1- أن يكون التميز لا ارتباط له بالشخص، فلا تقصد بالتميز شخصك، ولكن تقصد به دعوتك، وساعتها دعك من الناس مهما كانوا، فليكن جل تفكيرك واهتمامك بالتطوير والتميز في الدعوة.

2- أن تعتمد الشورى في كل أمرك، وألا تكون ثوريا على كل ما هو قائم، بل اجعل كل ما تراه مجرد اقتراح تشاور فيه إخوانك، ولتكن هناك جلسة لمناقشة الاقتراحات.

3- يمكن لك أن تكسب بعض إخوانك في صفك، وأن تطرح عليهم ما تراه أولا بحيث لا يبدو كل ما تطرحه منك أنت، بل يظهر بشكل جماعي أكثر.

4- أن تراقب قلبك في كل صغيرة وكبيرة، و أنت تنظر هل هو لله أم لا، فإن كان لله، فتوكل على الله، وأسرع في طرحها، وإن كانت لنفسك، فجاهد نفسك أن تكون لله، ولا تطرحها حتى تكون خالصة، فإنك إن أخلصت أمرك لله، أخلص الله لك أمرك، وجعلها خالصا في التيسير، بل جعل القبول له في قلوب إخوانك، ثم يجعل فيه البركة منه سبحانه، فتنال به القبول عند الله تعالى.

 

  • أما إن وجدت في نفسك حب الظهور:

1- فجاهد نفسك فيه، ويمكن أن تطرح الأفكار على بعض إخوانك،على أن يطرحوها هم على المسئولين في تلك الهيئة الدعوية، ولا تكون باسمك، بل يمكن أن تقول لبعض إخوانك أن يطرحوا الفكرة بأنها من أحد الإخوة، أو أنه ” كانت هناك فكرة قالها البعض”، وأن تحتسب ذلك عند الله، فإن وصلت إلى درجة ترى نفسك فيها مخلصا، فلا يهمك أن تقول باسمك أو باسم غيرك، لأن قلبك ساعتها لن يكون متعلقا بالخلق، بل سيكون مع الخالق، فيتساوى ساعتها الأمران.

2- أن تسعى ألا تتميز بين إخوانك، بل اجعل نفسك واحدا منهم، لا تظهر في المقدمة، بل كن دائما في آخر الصف ظهورا، وأولهم عملا، ولا تقدم نفسك حتى يقدمك إخوانك.

3- اقرأ في سير الدعاة المخلصين، وعلى رأسهم سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ كيف كان يتباسط مع أصحابه. فيكون معهم في الخدمة، ويشاركهم في تجهيز سلخ الشاة وذبحها وتجهيزها للطعام، ويحفر معهم في الخندق، ويشارك الصغير والكبير.

4- ابك لله وأكثر له الدعاء أن يهبك الإخلاص، فإن القلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.

5- لا تترك العمل من أجل الناس، فإن ترك العمل من أجل الناس أكبر خطرا من العمل لأجل الناس، وكلاهما عند الله مذموم، والمطلوب هو أن تكون مع الله، ولله، وأن تسأله دائما أن يمدك بالصواب والرشاد.

وفقك الله ورعاك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى