استشاراتالشبهاتالفتاوىالوساوس

رفض الزواج بسبب الكوابيس

  • السؤال:
استخرت الله تعالى فى شأن زواجى، فرأيت كابوسا معظمه تخاريف وكائنات غريبة وبقيته تحذير من شخص ما. نصحتنى صديقتى أن هذه الرؤيا لا يعتد بها. وعلى فقط أن أنتظر أثر الدعاء فان تيسرت باقى الأمور وافقت على الزواج. فهل هذا صحيح؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الإسلام دين واقعي، ولكنه ليس واقعيا بحتا، فهو واقعي رباني، يأمر الناس في أمور معاشهم أن يعتمدوا على العقل والخبرة، وأن يسألوا أهل الذكر فيما لا يتعلق بأمور التشريع، مع الاستعانة بالله تعالى،والتوكل عليه، وطلب التيسير منه، ودعاء الله تعالى مطلوب في كل أمر، ومع كون أنبياء الله تعالى كانوا في معية الله تعالى، إلا أنهم كانوا دائمي الذكر والدعاء لله تعالى، نجد ذلك في القرآن الكريم، كما حكى الله تعالى على لسان موسى عليه السلام “قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى * وَٱحْلُلْ عُقْدَةًۭ مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُوا۟ قَوْلِى”.

ونبي الله موسى يقول هذا، وهو ينفذ أمر الله، من دعوته فرعون إلى الله تعالى، وترك الألوهية المزيفة، وأن يوقن حقيقة أمره من كونه عبدا لله.

وقد شرع الإسلام في كثير من أمور الإنسان أن يلجأ إلى الاستخارة، وهي طلب الخير من الله تعالى، ولكن الإسلام لم يجعل الاستخارة وحدها هي السبيل الوحيد لمعرفة كون الزواج من فلان مثلا خيرا أم شرا، بل طلب مع الاستخارة استشارة أولي الألباب والذكر، وأصحاب الخبرة في الحياة، والعارفين بمن تقدم للزواج.
وفي حديث الطبراني وحسنه السيوطي “ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد”.

كما وضع الإسلام شروطا لمعرفة الزوج والزوجة الصالحة، فإن أخذت الفتاة بالأسباب، وسأل وليها عن المتقدم، وعن أخلاقه وسلوكه ونمط حياته، ورأى فيه صلاحا، وقدرة على احترام الحياة الزوجية، مع الاستخارة، وشعرت الفتاة والأهل أن هناك تيسيرا، فليتوكلوا على الله، وليعلموا أن هذه بشائر خير في موضوع الزواج.

أما كون الفتاة ترى كوابيس مخيفة، تزعجها، وتقلق راحتها، أو أنها رأت من يخيفها من موضوع الزواج، فلا عبرة بهذا، لأنه لو كان ما رأت الفتاة شيئا من عند الله، لما أتى على هذه الصورة القبيحة المؤذية.
وكما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  “الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان”، فكما يرى المسلم رؤيا خير، فهو قد يرى حلما من الشيطان، فلا يلتفت إليه، و لا يكن ما يراه عائقا له في تسيير حياته، واتخاذ قرار يخص شيئا هاما فيما يخصه.

والتصرف المطلوب في رؤية مثل هذه الأشياء، هو ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها، وليخبر بها، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها، ولا يخبر بها”. يعني أن يكتم الشر، ويسأل عن الخير.

وأخرج الإمام مسلم وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه”.

كما أنه لم يرد في الشرع ربط لازم بين الاستخارة والرؤيا، ولم يطلب الإسلام منا أن نجعل الرؤى هي المحرك الرئيس في حياتنا، لأن هذا يناقض طبيعة الإسلام، الذي هو دين الحياة، والحياة لا تقوم على منامات يراها الإنسان، إلا أن تكون بشرى، لأن لهذا أثرا في رفع الروح المعنوية للإنسان، فيقبل على الحياة مستبشرا، ويمضي قدما مستعينا بالله فيما ينفعه.

ومع كون الرؤيا من بقايا النبوة إلى يوم القيامة كما أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: يا رسول الله! وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة”، إلا أن هذا في الرؤيا الصالحة، وليست في “الكوابيس” والأحلام المزعجة، بل الحلم بشكل عام ليست بالأمر الملزم في حياة الإنسان، بل الأصل أن ينظر الإنسان إلى الواقع المعاش، وأن يأخذ بالأسباب، لأن هذه سنة الله تعالى في الكون، وليتوكل على الله تعالى.

يضاف إلى هذا أنه لابد من التفرقة بين الرؤيا الصالحة التي يرى الإنسان فيها خيرا له، أو تحذيرا من شر بشيء من الاطمئنان والسكينة، وبين الحلم الذي هو من الشيطان، وما يحمله من شر وسوء لبني الإنسان، فليس كل ما يراه الإنسان في منامه شيئا صالحا نافعا له.

  • والذي أنصحك به أختي الفاضلة:

أن تسألي عن هذا الشخص جيدا، حتى يتكون لديك صورة صادقة عنه، بعدها يمكن لك أن تأخذي قرارا، واستعيني ببعض أصدقائك أو معارفك حتى تعرفوا من الذي تقدم إليك، فكثير من الناس يسرع في أمر الزواج، مما ينتج عنه فيما بعد مشكلات نحن في غنى عنها.

وما قالته لك زميلتك صحيحا، فأكثري من الدعاء، و اسألي عنه، ثم لك بعد ذلك فترة الخطوبة، فحاولي أن تتعرفي عليه بشكل أكبر، فإما أن تكملا الزواج، أو ليذهب كل إنسان لحاله، والله يرزقك خيرا منه، يرزقه خيرا منك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى