استشاراتالشبهاتالوساوس

هاجس الموت يطاردني في الأحلام

  • السؤال:
أنا سيدة أبلغ من العمر 28 عاما، أنتابنى العام الماضي إحساس رهيب بأن مكروها سيحدث لي أو لزوجي، كما كنت أتخيل قبل النوم أحداث الوفاة بتفاصيل العزاء وغيره، وبالفعل توفى زوجي أثناء عمله. وأنا الآن في نفس التوقيت يسيطر على إحساس الموت بطريقة بشعة وأحلم أحلاما كثيرة لها نفس المدلول، حيث رأيت أن جارة لي في نفس الطابق توفيت، وكذلك أنني أرتدي فستان عرس. ويقولون إن تفسير هذه الأحلام دليل الموت. هذا الإحساس يكاد يطاردني مطاردة الأشباح حتى أنني أخشى النوم؟ أخاف من الموت خوفا شديدا خصوصا بعد وفاه زوجي، وأخشي موت أي فرد من أفراد أسرتي؟ فهل تشير هذه الأحلام على موتي قريبا أو موت أحد أفراد أسرتي أم لا؟ وماذا أفعل كي لا أنشغل بهذه الهواجس؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة:

من الطبيعي أن يخاف الإنسان الموت، وأن يفر بعيدا عنه، فتلك طبيعة بشرية جبل عليها الإنسان، فحب الحياة من الغرائز المفطورة في نفوس البشر.
ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل علم الموت خاصا به، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إن الله إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۭ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًۭا ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۢ بِأَىِّ أَرْضٍۢ  تَمُوتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۢ} (لقمان:34)

وكم من الأطباء قالوا لمرضاهم: لن تعيش أكثر من كذا يوم أو كذا شهر، لحسابات طبية محسوسة معلومة، ولكن الله تعالى يقضى شيئا آخر.
وكما قال الشاعر:
وكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

فإن كانت التنبؤات الطبية تكذب، فمن باب أولى أن تكذب الهواجس النفسية، لأنه لا دليل عليها من عقل أو دين.
وما حدث لك ما هو إلا شيء قدره الله تعالى، فصادف ما فكرت فيه، وشعرت به، ولعل هذا ابتلاء من الله تعالى.
ومن الواجب أن يسلم المسلم لأمر الله تعالى وقدره، وأن يعلم أن الغيب لا يعلمه إلا هو، كما قال تعالى على لسان رسوله: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ}(الأعراف: 188)
وإن زاد هذا الشعور في السيطرة عليك؛ سيؤدي بك إلى القنوط من رحمة الله، والاستسلام لليأس، وكلها أمور نهى عنها الشرع، بل يلفت أنظارنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت القيامة وفي يد أحد فسيلة فإن استطاع أن يزرعها فليزرعها.” ليبث الأمل في نفوس أمته، فماذا يجدي زرع الفسيلة – وهي النخلة الصغيرة – والناس سيحشرون إلى ربهم.

فالواجب عليك طرد هذه الوساوس، وأن تعيشي حياتك كبقية البشر حياة طبيعية، فالموت لا يشترط فيه أن يسبق بإذن، {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةًۭ ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف:34)
كما على المسلم أن يصبر لقضاء الله تعالى وقدره، وأن يتقبله بصدر رحب، وبرضا، فمن صبر ورضي، رضي الله عنه، ومن سخط فله السخط.

  • وقد عالج الإسلام الخوف من الموت، بالاستعداد له،

فكل الناس سيموتون، ومن هنا، فمن الفطنة الاستعداد للموت، لأنه قد يجيء في أية لحظة من لحظات الحياة، وكما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم: “من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله،كره الله لقاءه”، وكتب الله الموت على جميع عباده حتى أشرف الخلق على الله، وهم الأنبياء، وكتب لنفسه البقاء، فقال تعالى: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥ ۚ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}( القصص:88).

وكم يعيش الإنسان من العمر الطويل، ولكنه بعدها يموت، وينتقل إلى حياة البرزخ، ثم إلى الحياة التي لا موت فيها بعد الحساب، فسيجيء يوم لا يموت الإنسان فيه، ولكن عليه أن يسعى أن يكون سعيدا يوم لا موت. وإن كان هناك خوف، فليكن خوفا من الله تعالى، لا خوفا من شيء من الموت وهو أحد مخلوقاته.
كما أن ما يراه الإنسان في النوم، قد يكون حديث نفس، وقد يكون حلما ووسوسة منامية من الشيطان، عندئذ يستعيذ الإنسان بالله من شرها، ولا تكون الأحلام هي التي تقود سفينتنا في الحياة، لأن مصائرنا قدر بيد الله تعالى.

يقول الدكتور إيهاب خليفة من فريق مشاكل وحلول الشباب:

قد تكون هذه الأفكار علامة عن الإصابة بمرض القلق والتوتر بدرجات مختلفة. وقد يحتاج لتناول بعض المهدئات البسيطة ومضادات القلق تحت إشراف الطبيب النفسي؛ أو قد يلزمك الاستعانة بأحد الأطباء النفسيين إذا صاحب هذا القلق أعراض أخرى، مثل: الأرق الشديد والأعراض الجسمانية المتكررة التي ليس لها سبب عضوي.

ويشير الدكتور محمد أبو رحيم من علماء السعودية إلى أن الخوف من الموت مرض يعتري الإنسان من الموت على سبيل العموم، ومن الظواهر المتفرعة عنه: الخوف من الدفن حيا، أو رؤية الدم وحالات الإغماء، ومن منظر الأموات والجثث.
ويتحاشى المصاب بهذا المرض رؤية هذه المخاوف، ويتجنب المشاركة في الدفن والذهاب مع الجنازات، بل ويخشى من ذكر الموت لأنها تشترك مع حقيقة الموت، وتوحي بشيء أليم في النفس الإنسانية.
وفرق علماء النفس بين هذا الخوف وبين قلق الموت من جهة العموم والخصوص، حيث خصصوا قلق الموت بخشية الإنسان من موته هو.
ووصف الله سبحانه وتعالى أمثال هؤلاء فقال: {يَجْعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ  ٱلْمَوْتِ}

وإذا سألت أي إنسان عن سبب خوفه من الموت فلا يخرج جوابه عن الأمور التالية:

1- غموض حقيقة الموت.
2- الشعور بالخطيئة من الذنوب والمعاصي.
3- الافتراق عن الأحبة والملذات والآمال.
4- انحلال الجسد وفقدان القيمة الاجتماعية والمعنوية واستحالته إلى شيء مخيف وكريه.

ومن الصعب تخليص المريض من الخوف نهائيا لأن الخوف فطري، لهذا كان القصد من العلاج التخفيف من الخوف بتجريد الموت من معظم ما فيه من الآلام النفسية. ولما كانت الأسباب المتقدمة هي أهم المنبهات كان من الضروري اللجوء إلى تحليل هذه الأسباب وتوضيحها وتعليلها لإسقاطها من ذهن المصاب والانتقال إلى مرحلة الإقناع بمجابهة حقيقة الموت بالرضي والقبول.

  • واسأل نفسك: هل الموت من لوازم الحياة الإنسانية؟ وهل يمكن التخلص منه؟

والجواب بديهي بالطبع، إذ ليس من عاقل يعترض على كون الموت أمرا حتميا، وضريبة على كل كائن حي.
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
وقال تعالى: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ}. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ  مُلَـٰقِيكُمْ}.

ولكن الموت في نظر العقلاء والمؤمنين انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.
وإذا كان كذلك فأي معنى بقي لفكرة انحلال الجسد واستحالته إلى تراب وعظام؟ إن كثيرا من الناس تشكل أجسادهم عبئا نفسيا عليهم، فيلجأ بعضهم إلى أطباء التجميل رغم ما يعتوِر أفعالهم من آلام مبرحة تلحق الأجساد، فكيف يكون شأن من أجريت له عملية تجميل دون أي شعور بألم؟!.
ويكون ذلك يوم بعث الناس جميعا، ويخص الله المؤمنين بتحسين الوجه والهيئة، تبارك الله أحسن الخالقين..
وقال تعالى واصفا وجوه المؤمنين: {وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌۭ }.
وقال تعالى: {فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَلَقَّىٰهُمْ نَضْرَةًۭ وَسُرُورًۭا}.
وقال تعالى: {تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ}.

وقد يقول قائل: إن الموت يحمل معه فكرة الفراق والحرمان من مشاهدة الأحبة والالتقاء بهم؛ بما يعني فقدان التوازن النفسي للإنسان

أقول: نعم، لكن الفراق لا ينبغي أن يترك خوفا في النفس من الموت، بل غاية ما يتركه دمعة حزن تحمل الرحمة وطلب المغفرة.
فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله ؟ فقال: ” يا ابن عوف إنها رحمة إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوف من الموت ؛ لأنه فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة، لقاء يعقبه محبة، ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي.
أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس،وأما لقاء الكافرين والفاجرين والفسقة فهو لقاء بغضاء ولعنة وتبرؤ. قال تعالى: {ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍۭ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ}.

  • وهناك مندوبات ومستحبات تُسهم في تخفيف من عبء هذا المخوف على النفس الإنسانية:

1- ذكر الموت بزيارة القبور والمشاركة في الجنازات، قال رسول الله صلىّ الله عليه وسلّم: “أكثر ذكر هادم اللذات”.

2- تعريض المصاب لرؤية الجنائز والأموات والجثث والدماء ومناظر الإغماء يسهم في التغلب على هذه المخاوف الطبيعية، وهي من الوسائل التربوية لكثير من أصحاب المذاهب الحديثة في التربية.
يقول أحد علماء النفس: (افعل الشيء الذي تتهيبه فإذا موت الخوف محقق). وقيل: (اطلب الموت توهب لك الحياة ).

3- القيام برحلات طويلة منفردة للقضاء على الخوف من الفراق والذي يحمل معه دائما فكرة الموت وهذا جائز للضرورة.
وعلق ابن حجر رحمه الله-على قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحدة.” فقال: “وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة.” ولما كانت الضرورة تقضي بالسفر لا مانع من ذلك شريطة عدم وقوع ضرر أكثر من الخوف المطلوب علاجه.

4- المعالجة بطريقة العزل في بيوت الصحة منفردين عن عائلاتهم،وهي طريقة واير ميتشل.

ويماثل هذه الطريقة ما يقوم به الآباء من جعل غرف نوم خاصة لأطفالهم الصغار بعيدة عنهم حيث تعطي هذه الطريقة أُكلها باعتماد الطفل على نفسه وتخفف من وقع فراقه لأمه حتى يصبح الفراق أمرا طبيعيا.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى