استشاراتتقوية الإيمان

كنت أصلي وزنيت

  • السؤال:
السلام عليكم،

أنا فتاة عادية جدا ملتزمة دينيا، أصلي، أصوم، أخاف الله، وأطلب رضاه ورضي أهلي. لكن هذه السنة كانت يائسة. عصيت الله بها كثيرا، دون توقف عن أداء فروضي له.

ولكن المعصية الكبرى كانت في رمضان؛ إنه أول رمضان أعصي فيه الله بالزنا عن طريق الهاتف. أنا مدركة مدى ما أصابني؛ صليت لله كثيرا، طلبت المغفرة. لكن أسأل نفسي: لماذا فعلتها؟ ضميري يؤلمني لكن ثقتي بالله كبيرة. أنا اليوم تائبة نادمة؛ أسأل الله العفو والمغفرة لي.

سؤالي: لماذا حدث هذا؟ مع أنني أصلي وأحافظ على قراءة القرءان، وعمل الخير وكل شيء يرضي ربي. لماذا وقعت هنا؟ كنت أريد حياة أفضل!

 

  • الجواب:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

الأخت الفاضلة:

نسأل الله تعالى أن يمن علينا دائما بالتوبة إليه، والتوكل عليه، والثقة به. يجب أن ندرك أولا أن الوقوع في الذنب كما أنه خطيئة من الخطايا، فإنه من لوازم البشر التي يفعلونها باختيارهم، وذلك راجع لضعف الإنسان.

فما خلت الأرض يوما من معصية، ولكن من عصى فليتحمل نتيجة عصيانه، ومن أخطأ فلا يلومن إلا نفسه، فإن تاب وأناب واستغفر واسترجع، وندم على ما اقترف، فلم يجد إلا ربا غفورا، يتوب عليه. 

فإن أحسن حاله مع الله، بدل الله سيئاته حسنات، وهذا مظهر من مظاهر عظمة الإسلام. فما كان الإسلام يوما سيفا مسلطا على الرقاب، ولا مانعا لهم من أن يعيشوا حياة سوية.

فإن ضلوا الطريق، فالباب مفتوح للعودة دائما، ليجدد العبد العهد مع الله تعالى، الذي أخذ عليه، وهو في عالم الذر: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُوا۟ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ}.

فحقيقة التوبة هي الرجوع إلى الأصل، والعودة إلى الفطرة النقية، وهذا تجديد لعلاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، وهو بطبعه يعيد الإنسان إلى اتزانه في الحياة، ويجعله مستقيما، ليتواءم مع الكون المسبح بحمد ربه، وكل خروج عن طبيعة الكون العابد لله، يجعل الإنسان في نكد من العيش، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةًۭ ضَنكًۭا وَنَحْشُرُهُۥ  يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَعْمَىٰ}.

 

  • أما عن كونك أخطأت وأنت تصلين وتطيعين الله تعالى،

فإننا بحاجة إلى فهم الإنسان جيدا، نحن لسنا قوالب جامدة، بل هناك مؤثرات في حياة الإنسان  تجعله يقترب من الله أو يبتعد حسب اختياره هو، لأن الطاعة كسب منا بتوفيق من الله، والمعصية كسب منا؛ استجابة للهوى أو لنفس أو الشيطان.

وإن كان الإنسان يطيع فعليه أن يحافظ على طاعته وأن يحميه، كما أننا نحمي أنفسنا وأموالنا وكل ما له قيمة عندنا؛ فإن الطاعة تحتاج إلى نوع من الحماية والمحافظة، ولا يعقل أن يبني الإنسان من جانب ويهدم من جانب آخر.

ولهذا فإن الله تعالى حين أمر بإتيان الطاعات، أمر باجتناب المحرمات، ولا تعصم الطاعات من الوقوع في المعاصي؛ ولكن مراقبة الله تعالى وتقواه تجعل الإنسان دائما في خوف من الله كأدنى درجة، وفي حب دائم لله، كدرجة عالية تجعله لا يستطعم المعصية لو ذاقها، فينفر منها سريعا، ويعود إلى الله تعالى.

واستمرار الإنسان على المعصية مع بعض الطاعات ينبئ أن هناك خللا في نفس الإنسان، عليه أن يكتشف، وأن يسعى في علاجه، وأن يؤخذ بالأسباب مع التوكل على الله، والإلحاح عليه بالدعاء أن يشفى من ذلك الخلل.

وطريق التخلص من هذا أن يدرك الإنسان الأسباب التي أدت إلى ذلك، فيتخلص منها، وأن يدرب نفسه على ذلك، مع استحضار مغفرة الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده دائما مهما كانت، فاقرعي باب الله، وصححي مسارك، فإنك على خير.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى