- السؤال:
كيف السبيل إلى الله مرة أخرى؟ فأنا بعيده جدا. وقلبي يعتصر من شدة الألم لحالي السيئ. لكني أتمنى العودة، وأشعر أن هناك شيئا يكبلني. أتوق إلى الله بعد طول غياب. أتمنى منه المغفرة؟ وأن يردني إليه ردا جميلا؛ لكن لا أعرف كيف؟ |
- الجواب:
الأخت الفاضلة:
كم فرحت حين قرأت رسالتك، ورأيت فيها صدق النية في العودة إلى الله تعالى، وهذا أول الطريق. ولكن دعيني أسألك: إن كنت أنا الذي لا أعرفك؛ وقد فرحت بعزمك على التوبة. فكيف بفرح ربنا سبحانه وتعالى بتوبتك إليه، وهو سيدك وخالقك؛ مع كونه الغني عنا جميعا.
يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}(فاطر: 15-17). لأول مرة أتفكر في حب الله تعالى بتوبة عبده؛ مع كوني أعرفها مما يزيد عن عشرين سنة. ولكن حين رأيت في قلبي فرحا، فإذا بي أتذكر فرح الله بتوبتك، وكيف يكون فرحه سبحانه وتعالى.
أنا لا أعبر عن شعوري لذاتي. ولكني أريد أن أنبهك لهذا المعنى. إن كنت أنت الأمة الضعيفة المسكينة المحتاجة إلى الله تعالى؛ تفكرين في التوبة الصادقة، وتبحثين عن السبيل؛ فإنه أخبرك بفرح الله تعالى بعملك، حتى نستمر عليه، ولا نتزحزح أبدا، ولا نرجع مطلقا عما قصدناه من خير، وأن نعود إلى الغاية التي من أجلها خلقنا؛ وهي: توحيد الله تعالى.
أختي التائبة..
كثير من الناس الذين نريد أن نلقيهم، أو يكون بيننا وبينهم علاقات أو لقاءات قد تكون صعبة المنال؛ حسب المكان الاجتماعية والعلمية للمطلوب، مع أنهم عبيد ونحن عبيد، كلنا مخلوقون. ولكن الله تعالى هو صاحبنا كلنا، فنحن صنيعته وخلقه، ما أغلق بابه لحظة واحدة لأي عبد من عباده، أو أمة من إمائه، فبابه مفتوح للعائدين، لا يغلق أبدا.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل”، فعيادة التوبة مفتوحة على مدار أربع وعشرين ساعة، ولا تغلق حتى قيام الساعة، حين تشرق الشمس من مغربها.
وهذا يعني أن الطريق إلى الله ما أيسره، إنه ليس صعبا، ادخلي عليه، وابك بين يديه، واطلبي منه أن يسامحك وأن يعفو عنك، وأن يثبتك على الحق، ابك أمامه كثيرا. إنه ينتظرك، والله ربك ينتظرك، يحب أن تعودي إليه، فلماذا تتأخرين؟
هل تبحثين عن الطريق، هو كما أنت في بيتك. لن تركبي مواصلات. ولن تسافري بالطائرات. ولن تحجزي وقتا ولا مكانا. هو ييسر الأمر كله. قومي الآن، توضئي واطرقي بابه، وصلي له، أطيلي الركوع، أطيلي السجود، أعلني توبتك أمامه، وبعد انتهاء الركعتين، كلميه، كلميه بلسانك ولغتك، لا تتقعري في الكلام. ليس شرطا أن تحدثيه بالفصحى. ولكن حدثيه بقلبك، واترك اللسان يعبر عما في القلب. اشك له نفسك، واشك له كل ما تريدين، ساعتها تكوني قد اغتسلت مما فات كله، وبدأت عهدا جديدا.
بعدها أمسكي ورقة وقلما، اكتبي كبائر الذنوب، انظري إليها جيدا، هذه أعاقتك عن تلك الحلاوة التي شعرت بها أمام الله، هذه التي تمنعك رحمة الله، اعزمي على تركها، لا تعوديها إليها مهما كان. وفي الجزء الآخر من الصفحة، اكتب أعمالا صالحة ستقومين بها حسب طاقتك، وراعي نفسك بالعمل الصالح بتؤدة وعلى مهل، عامليها كالطفل الصغير، أو كالنبتة تحتاج إلى رعاية وسقاية، وترفقي حينا، واعزمي حينا؛ حتى تصلي إلى بر الأمان.
واعلمي أنك إن صدقت نيتك؛ فإن الله تعالى سيعينك على الطريق، وسيهديك الصراط المستقيم. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}(محمد:17). وفي طريقك إلى الله ستجدين حلاوة أحسن ألف مرة مما كنت تشعرين به من حلاوة زائفة في طريق الشر.
الآن عرفت الطريق، فابدئي. فإن هذا أول الطريق، وصدقك معناه أن تقومي الآن لا تتأخري، وأن تدخلي على مولاك وتتوبي إليه.
وأرجو منك أن تتابعينا بأخبارك، وأن تطمئنينا عليك، ونحن في انتظار بشراك لنا بعودتك إلى الله تعالى، ولا تنسنا من صالح دعائك.
- د. مسعود صبري