- السؤال:
من خلال هذا الشهر المبارك أعاده الله علينا بالخير والبركات استمتعنا بتلاوة القرآن وسماعها من الأئمة جزاهم الله عنا ألف خير، وأريد خلال الفترة القادمة أن يكون لي برنامج لحفظ القرآن بحيث أكون في رمضان القادم إن شاء الله قد حفظت منه أجزاء كثيرة، علما بأنني أحفظ فقط جزءا واحدا وبعض السور في بعض الأجزاء. |
- الجواب:
الأخ الفاضل:
جزاك الله تعالى خيرا على هذه النية الطيبة، فإن خير ما اشتغل المسلم به عنايته بالقرآن الكريم، وأول العناية معرفة القراءة الصحيحة، والتلاوة المجودة، وأن يعيش مع القرآن، حتى يكون من أهله، الذين هم أهل الله وخاصته، لينتقل بعد ذلك للعمل به والسعي لنشر مبادئه، فإن القرآن دستور المسلم المبين، وهو كلام رب العالمين، وشرعة رسوله الكريم، وحصن الأمة من الزلل، وهاديها إلى الصراط المستقيم، و به عزها وكرامتها، و به استقامة حياتها، وصلاح سيرها، وطريق عزها، ثم هو سبب نعيمها عند لقاء ربها، وكله خير، فمن أراد الدنيا حلالا طيبا، والآخرة ابتغاء وثوابا، فهو طريقهما، وهو حبل الله، طرف منه بيد الله، وطرف آخر بيد الناس.
وبركة هذا الكتاب في العمل به، دون الوقوف على حروفه فحسب، فإن الاهتمام بالحرف وحده لا يكفي، غير أنه بدون الحرف لن يكون العمل، فتعلمه بداية الطريق للعمل به، وهذا أمر هام يجب اعتباره في الحسبان، فكم من تال للقرآن والقرآن يلعنه، فإن التلاوة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي لبيان كلام الله لخلقه، حتى يستقيموا على أمره.
- وقبل بيان كيفية الحفظ، أحب أن أنوه على أمور مهمة، ثم أبين لك طريقة الحفظ:
1- أنه يجب الاهتمام بتلاوة وتعليم أحكام تجويد القرآن، حتى يمكن تلاوته تلاوة صحيحة، لأن التلاوة أمر واجب، كما قال تعالى: {وَٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ}، وقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.
2- وبعد التلاوة يجب المحافظة على القرآن وختم القرآن تلاوة مرة كل شهر إن تيسر ذلك.
3- الاهتمام بما في القرآن الكريم من أوامر يجب أن يأتيها المرء، ونواهي يجب الابتعاد عنها، وقصص يتعلم ويستفيد منها، وأخلاق وآداب يجب التحلي بها، حتى يتشبه المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قالت عنه زوجه السيدة عائشة -رضي الله عنها-: “كان قرآنا يتحرك بين الناس”.
4- أن يكون الحفظ على يد معلم للقرآن الكريم، فحفظ الإنسان وحده لا يجعل عملية الحفظ مستمرة في الغالب، إلا من أوتي عزيمة قوية، فتصحح الآيات التي تريد حفظها مع الشيخ ثم تحفظها وحدك، ثم تسمعها للشيخ.
5- وفي الحفظ هناك عدة طرق، منها أن تكرر الآية عدة مرات حتى تحفظها، ثم تكرر الثانية حتى تحفظها، ثم تسمع الآية الأولى والثانية، ثم تكرر الثالثة حتى تحفظها، ثم تسمعها مع الأولى والثانية مع محاولة الربط بينهما حتى يكون حفظا جيدا.
6- وهناك من الناس من يقرأ العدد من الآيات مما يجمعها رابط في المعنى، فيكرر الآيات عدة مرات، حتى يتم حفظها، ثم يأتي بالعدد الآخر مما يجمعه رابط، فيفعل مثلما فعل في الأول، ثم يسمع المجموعة الأولى والثانية ويربط بينهما في الحفظ.
7- ومن الأمور المعينة في الحفظ الاطلاع على تفسير الآيات، حتى يفهم معناها، فيسهل حفظها.
8- الصلاة بما حفظت من القرآن، وأفضل أن تكون في صلاة النوافل لا الفرائض، إلا ما تأكد حفظه، فيمكن الصلاة فيه في الفرائض؛ لأن الخطأ في القراءة في النافلة أقل من الخطأ في القراءة في الفريضة.
9- من الأفضل أن تجعل لنفسك وردا من قيام الليل، تقيمه بما تحفظ من القرآن، فإن هذا أدعى للحفظ.
10- المراجعة الدائمة لما حفظت وما تحفظ، ويمكن أن يكون معك مصحف صغير الحجم تستطيع أن تراجع منه في أوقات الفراغ والأوقات البينية.
11- أن تخصص وقتا للقرآن الكريم، ولا يكون اهتمامك به وقراءتك له من فضل الوقت.
12- أن تلتزم آداب التلاوة من الطهارة والوضوء واستقبال القبلة واستحضار الخشوع والسكينة، مع التطيب.
13- أن تحفظ في مكان هادئ، وليكن المسجد إن كان ممكنا، ويمكن تخصيص وقت ما بين المغرب والعشاء للحفظ، أو وقت ما بعد الفجر، فإنه أدعى ليسر الحفظ وسهولته.
14- الدعاء الدائم أن يتم الله تعالى عليك النعمة، وأن يجعلك من حملة كتاب الله تعالى.
15- القراءة في حال السلف الصالح وشأنهم مع القرآن الكريم، فإن هذا مما يرفع الهمة، ويأخذ بيد الإنسان للعزيمة في حفظه والاهتمام به.
16- استحضار الإخلاص والبعد عن الرياء، إذ الرياء من أهم معوقات العمل الصالح، وهو في القرآن أكثر تعويقا، لا من حيث الحفظ وحده، ولكن من حيث البعد عن المقصود من العمل بكلام الله.
17- العمل بما حفظت، فإن هذا أيسر الطرق للحفظ.
18- تحفيظه لغيرك، فإن هذا يثبت الحفظ أيضا. واستحضار الأجر في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.
19- الحفظ من طبعة واحدة للمصحف؛ حتى تعود العين على شكل الصفحة ورقم الآيات، وهذا يساعد على تذكر ما حفظه الإنسان. وهناك ممن يحفظ القرآن عن ظهر قلب برقم آياته صفحاته، ويعرف موضع كل آية وموضعها من الصفحة وغيرها من مواهب الحفظ التي يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده .
20- اجتنب كبائر الذنوب، وجاهد نفسك في الصغائر، فإن حفظ القرآن يحتاج إلى قلب موصول بالله، والذنوب تحول بينك وبين عطية الله تعالى لك.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
- د. مسعود صبري