- السؤال:
لا شك أن الإيمانيات لدى الإنسان المسلم تزيد في رمضان، تكثر الأعمال الصالحة والطاعات، وتكون النفوس أهدأ وأصفى؛ فكيف نستطيع المحافظة على ما اكتسبناه في رمضان في بقية شهور السنة؟ وكذلك ما نجاهد به أنفسنا من ترك المحرمات كالكذب وغيره؟ فكيف نحافظ على ذلك كله؟ |
- الجواب:
الأخ الفاضل،
أشكرك على هذا السؤال الرائع الذي ينم عن فهم لحقيقة الأمور. فمن الخطأ أن يعي الناس أن رمضان موسم تكسب فيه الحسنات وكأنه سوق وانفض وحسب. فرمضان إن كانت تضاعف فيه ثواب الأعمال الصالحة، وفيه مغفرة للذنوب، وعتق من النيران وغير ذلك من جوائز الله تعالى لعباده.
ومع كونه نفحة من نفحات الله تعالى لخلقه؛ فإن التعامل مع رمضان بهذه العقلية التجارية تعامل يشوبه بعض القصور. فإن التاجر الحصيف هو من يسعى لزيادة تجارته دائما. أما من يأخذ من الموسم بعض المكاسب ويجلس حتى يأتي الموسم في العام مرة ثانية، فهذا ليس عنده خبرة حقيقية في سوقه وتجارته.
إن التغيير الحقيقي في رمضان هو أن يجلس المرء مع نفسه، وأن يفكر فيما يريد من نفسه في رمضان، ما هي الأعمال السيئة التي يأتيها؟ وكيف يتخلص منها؟ ما هي الطاعات التي كان مقصرا فيها فيحافظ عليها؟ كيف يؤدي العبادات والطاعة وكيف يرتقي بنفسه فيها؟
ولكن على أن يكون هذا على الدوام؛ بمعنى أن نستفيد من رمضان تعودا على الطاعة بشكل دائم، وأن نترك المعصية في رمضان على الدوام، فيكون رمضان فرصة حقيقية للتغيير، وهذا لن يتأتى إلا إذا غير الناس نفوسهم وخططهم بالنسبة لهذا الشهر. ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستعدون لرمضان قبله بستة أشهر، ويتزودون منه لستة أشهر، فتكون السنة كلها عندهم رمضان.
ومن الخير أن نجمع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في العمل والإصلاح؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أن يداوم المرء على العمل الصالح، ويقول: “أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل”.
وإن كان الإنسان يكثر من الأعمال الصالحة؛ ويترك الأعمال السيئة في رمضان. ولكن ليكن له جدول وأهداف واضحة يريد أن يحققها خلال شهر رمضان. فيكون رمضان فرصة للإصلاح الدائم والتغيير الفعال؛ وفق أدوات الإصلاح والتغيير التي يتفق عليها جميع الخلق.
- فقد يرى الإنسان في نفسه -مثلا- أنه لا يستطيع الاستغناء عن الكذب، فيتعاهد بينه وبين الله تعالى أن يترك الكذب، ويمهد لهذا بما يلي:
1- القراءة في الحديث عن الكذب وأضراره وحرمته وعاقبته.
2- النظر في عاقبة المكذبين.
3- البحث في الأسباب التي يجعله يأتي الكذب.
4- العزم على تركه، وحسن النية على تركه.
5- أن يسجل كل كذب وقع فيه، وأن يراقب نفسه.
6- أن يراقب قلبه عقب ترك كل كذب وأثر ذلك عليه.
7- أن يجاهد نفسه وألا يطاوعها حين يريد أن يكذب.
8- أن يكثر من الدعاء أن ييسر الله تعالى أمره وأن يعالج من هذا الدعاء.
9- أن يحتفظ بورقة في جيبه دائما فيها كذبه، وأن ينظرها كثيرا.
10- أن يستغفر الله من كل كذب، وأن يجدد العهد مع الله.
وهكذا، يضع كل أهدافه في ورقة يراقبها ويتابعها، حتى ينتهي رمضان وقد نجح في أن يحقق أهدافه، على أن تكون أهدافه واضحة القياس كما يقول علماء الإدارة، وأن يكون هذا ديدنه بعد رمضان، فإنه ربما يعجز أن ينهي كل ما يريده فيه. وقبل كل ذلك وبعده الإخلاص لله، وحسن القصد.
فرمضان بداية وليس نهاية، ودافع ليس بتابع، ومحطة للانطلاق الدائم؛ وليس للإنفاق المؤقت، وللبناء والتأسيس لا للبهرجة والتفريح، وما بعد رمضان أصعب مما فيه، فإن جو رمضان تصفد فيه الشياطين ومردة الجان، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران.
وهذا كله ليس في رمضان؛ فكان التقرب لرب رمضان هو المحك الرئيسي، والمقصد الأسمى والهدف الأعلى، ومن كان يعبد الله تعالى؛ فإن الله تعالى حي دائم لا يزول. ومن أخلص العمل؛ لم يضع في الحسبان الزمن؛ وإنما هو يسير نحو مقصده الأعلى.
ومن تذوق حلاوة الإيمان صعب عليه الترك وأوجب على نفسه الدوام. ومن تقدم نحو الشيء يتذوقه فإنه لم يطعم. فإن ذاقه ووجد حلاوته ولم يأخذ من حلاوته؛
فإنه مسكين؛ لأنه فقد حاسة الذوق. هذا في أمور الدنيا من الطعام والشراب. أما من ذاق طعم الإيمان فمن الصعب أن يتركه ويولي وجهه شطر غيره.
- د. مسعود صبري