استشاراتالدعوة

أختي الكبرى تغوي الصغرى.. ماذا أفعل؟

  • السؤال:
أرجو أن يتسع صدركم لتسمعوا قصتي، فنحن أسرة مكونة من أم وأب وخمس بنات، ومنذ سنة تقريبا ذهبت روح أمي إلى خالقها – رحمها الله وأسكنها فسيح جناته -، وبعد ذلك انقلبت حياتنا، فثلاث منا تزوجن والحمد لله، وبقيت اثنتان منا: واحدة تدرس في الكلية، وواحدة في الثانوية العامة؛ ولكن المشكلة أن أختيَّ بدأتا تمشيان في طريق المعاصي، وأبي لا يعبأ بغير تجميع الأموال، مع أنه بخيل جدا، ولا يعطي أخواتي حقهن في المعاش، ولذلك السبب لا يعترض على أي تصرف حتى يتجنب مطالبتهن له بأية أموال!!

المهم أن أختي التي في الكلية – هداها الله – تمشي في طريق الخطأ، ولا يخاف قلبها من ربها، فعلتْ كل المعاصي، ولا أريد ذكرها لأن ستر المؤمن واجب، ولكن آخر شيء فعلته هو خلع الحجاب، ويعلم الله أني فعلت ما في وسعي من كلام ونصيحة دون جدوى، ولكن كان خوفي الكبير على أختي الأصغر منها، وتكلمت معها ونصحتها، ولكن في الفترة الأخيرة رأيت تغيرًا في سلوكها، فقد بدأت أختي الأكبر في غوايتها والله أعلم، ولكن الطامة الكبرى أنها تريد أن تخلع الحجاب هي الأخرى، وأنا لا أريدها أن تفعل ذلك، فأنا أخاف عليها من الانحدار لهذا الطريق، والعجيب أن أبي لا يعترض على هذه التصرفات ويتقبلها بصمت.

بالله عليكم، ماذا أفعل معها لإنقاذها؟ فأنا سوف أسأل عنها من ربي ومن أمي التي تركتها وهي صغيرة.
وهل أمي ستحاسب على ما تفعله أختاي؟ والله عملت كل ما في وسعي، ولكن المشكلة أنني لست الأخت الكبرى، فلا كلمة لي عليهما، وهما يسيئان إليَّ إذا تكلمت معهما.
أريد أن أطمئن أن أمي بريئة من تصرفاتهما، وأن أنقذ أختي الصغرى، ولكن دلوني ماذا أفعل بالله عليكم، لأن قلبي يتمزق، ولا أريد مقاطعتهما لأن أمي لا تريد ذلك أبدا.

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة؛
كم حزنت على ما قلته عن أختك الكبرى، وكم سعدت بأن هناك من الفتيات مثلك، تخاف على دين أخواتها، وتسعى قدر جهدها أن تكون سببا في هدايتهن، وما تفعلينه من إصلاح هو نبتة الخير التي تفرح قلوب المؤمنين، وتجعل الدنيا عامرة بطاعة الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍۢ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}، وإن كان هناك حزب للفساد، فإنه يجب على المؤمنين أن يقيموا حزب الإصلاح، وتلك طبيعة الدنيا.. حزب للشيطان وأولئك هم الخاسرون، وأما حزب الرحمن فأولئك هم الفائزون.

وأنتِ يا أختي تفعلين ما يجب عليك، والهداية من الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ}.

أما عن أمكِ، فلا يؤاخذ الموتى بذنب الأحياء!! فما على والدتك ذنب فيما تفعله أختك، ولكن دائما خصيها بالدعاء لها بالرحمة والمغفرة.

أما والدك – سامحه الله – فهو أول مسئول عن هذه الطامة في بيته، وسيحاسبه الله تعالى عما يحدث، كما جاء في الحديث: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه) رواه النسائي وحسنه الألباني، وفي الحديث: (كلكم راع ومسئول عن رعيته.. والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته) رواه البخاري.. ولكن ليس المجال مجال عتاب.

  • الخطوات العملية التي أنصحك بها:

أولا؛ مع أختكِ الصغرى:

إن نجاح المفسدين والعاصين في دعوة غيرهم، يعني فشلنا نحن، وهذا يجعل في قلب كل مؤمن غيور على دينه أن ينهض من سباته ورتابته في العمل، وأن يستنهض كل قواه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يعلن الثورة على الكسل والفتور، وأن يدخل المعرفة بأدواتها، حتى ينال ما يتمناه من انتشال من أحب من وسخ المعصية، إلى فسحة الطاعة.

إن كانت أختكِ الكبرى تغوي أختها وتغريها، فعندك إغراء ما بعده إغراء..
أليست الجنة ونعيمها إغراء؟!
أليست راحة البال إغراء؟!
أليست الاستقامة على طريق الله تعالى، والجمع بين السعادة في الدنيا والآخرة إغراء؟!
أليس حسن السمعة، وطيب الذكر عند الناس وعند الله إغراء؟!

إن من الخطأ أن نظن أن أصحاب المعصية في راحة أو سعادة، كلا.. كلا، إنهم في شقاء، ولو صدق أحدهم معنا لنطق بذلك، إن المعصية توهن البدن، وتضعف الروح، وتكاد تقتل النفس، والطاعة تعيد الحياة إلى الروح والجسد، وتجعل المرء دائما في سعادة، تلك التي عبر عنها الإمام ابن القيم رحمه الله حين قال: “إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة”، أو كما عبر عنها أحد الصالحين: “لو يعلم الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف”.

حين نعيش نحن هذه المعاني، نستطيع أن ننقلها لغيرنا بروحها وجوهرها، لا نريد أن نتعامل مع الدعوة على أنها إسقاط واجب، وأنني فعلت ما يجب علي.
وقد كان الإمام ابن القيم حصيفا حين رأى أن الحب هو الدافع الحقيقي للعمل، فأحبي من قلبكِ إصلاح أخواتك، وعيشي هذا في نفسك، حينها ستجدين نقله للناس سهلا، وما خرج من القلب دخل القلب، وما خرج من اللسان، لم يتجاوز الآذان.

وأنصحكِ أن تصاحبي أختكِ الصغرى، لا تباشري معها الكلام عن الحجاب أو الطاعة، لكن ادخلي قلبها أولا، اجعليها تحبك، فإنها إن أحبَّتكِ جعلتكِ قدوتها، وستطلب هي منك دون أن تطلبي أنت منها أن تكون صالحة مثلك.
وللحب وسائل شتى: أكثري الخروج معها، شاركيها حياتها، انظري همومها في الحياة وساعديها قدر استطاعتك، أكثري من السؤال عنها والاطمئنان عليها وهي بعيدة عنك، قدمي لها الهدية، فالهدية مفتاح القلوب، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (تهادوا تحابوا) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني، أشركيها في خصوصيات حياتك ما استطعتِ، اجعليها تشعر بنفسها وحياتها، اجعليها تنخرط في الأنشطة التي تحبها بطريق مباح.. ساعتها يدخل الحب والحق قلبها، ويبرز النور على وجهها؛ وستكون هي عونا لك على دعوة أختك الأخرى.

ثانيا؛ أختك الكبرى:
أما هذه، فيجب أولا أن تحسني معاملتها، وتتلطفي معها أشد التلطف، ولكنها تحتاج إلى دراسة ومعرفة حتى تقفي على الأسباب التي أدت بها إلى هذا الانحراف.

إن خروج الإنسان عن الفطرة التي فطره الله تعالى عليها من السير في طريق الله هو شيء غير ثابت في الإنسان، إنه ليس جوهرا ولا حقيقة (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وإذا حدث فلابد من سبب وراء ذلك، وكما قيل: “إذا عرف السبب بطل العجب”، ومعرفة السبب أول طريق العلاج.

وكثير من الأمور التي تكلمنا عنها مع أختك الصغرى، اجعليها أيضا مع الكبرى: فشاركيها همها، اجعليها تشعر أنك أختها قبل أن تكوني داعيتها، أزيلي هذا الهاجس والتخوف منك أولا.. نعم، هي في غواية، ولا تريد أن تنظر إلى الخير، ولذلك يجب أن نجعلها تنظر إليكِ بنظرة مختلفة، حتى تتمكني من أن يدخل الإيمان قلبها.
ومع الخطوات التي اتبعتِها مع أختكِ الصغرى، زيدي عليها ركعات بالليل، وبكاء في السحر أن يطهر الله تعالى قلبها، وأن يتوب إليها، عسى الله تعالى أن يفتح مغاليق قلبها.

وكوني أنت قائدة البيت، وإن لم تكوني الكبرى في أخواتك، ليس بفرض آرائك، والتسلط على من حولك، ولا التعالي عليهم وإشعارهم بأنك الأفضل؛ لكن ببذر الحب، وقيادة القلوب باللطف، ونشر الخير للجميع.. فالعبرة بمن صدق، وليست العبرة بمن سبق.

حفظك الله وأخواتك وبنات المسلمين من كل شر وسوء.
وتابعينا بأخبارك، ولا تحرمينا من صالح دعائك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى