- السؤال:
السلام عليكم.. ما هي مقاصد الجهاد الدعوي؟ |
- الجواب:
الأخت الفاضلة؛
شكر الله تعالى لك هذا السؤال، فمع أنك في أوائل العشرينيات من عمرك، غير أن سؤالك ينم عن ثقافة عالية، واهتمام بقضايا الأمة.
أختي الفاضلة؛
الجهاد في أصله مقصده دعوي، فالمقصود من الجهاد هو –حسب فهمي وظني– عرض الإسلام، ولا أقول نشره، حتى لا يُساء الفهم ويُدَّعى أننا نجاهد لإجبار الناس على الإسلام، وقد قال الله تعالى في كتابه: {لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ}، وقال: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ}، فما على المسلمين أن يفعلوه هو عرض الإسلام وتقديمه للناس حتى يمكنهم التعرف عليه، واختيار ما يرونه مناسبا لهم، ومن وسائل الدعوة الجهاد في سبيل الله تعالى بكل أنواعه التي عدها الإمام ابن القيم رحمه الله سبعة عشر نوعا، ولكني سأقتصر هنا في الحديث عن المقاصد الدعوية للجهاد بمعنى “القتال”.
من أهم مقاصد الجهاد الدعوية:
- 1- حماية الدين،
فقد شرع الجهاد لأن الكافرين لا يريدون للإسلام أن ينتشر، فهم يريدون إكراه الناس على البقاء على الكفر، والإسلام لا يُكره أحدا على الدخول فيه، ولعل هذا يتضح من خلال كثير من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى: {وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌۭ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ}، ولذلك أوجب الله تعالى أن يكون جهاد العدو لا يرتجى منه مغنما أو مكسبا، وإنما يجاهد المسلمون في سبيل الله، لإعلاء كلمته؛ وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء.. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقد أوضح القرآن الكريم أن المشركين لن يتركوا المسلمين على دينهم، بل سيحاربونهم في هذا، ولذا وجب علينا صد عدوانهم، والحفاظ على ديننا الذي يحاربوننا من أجله، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَـٰعُوا۟ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌۭ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ}، فأخبر الله تعالى عن استمرار المشركين والكافرين في حرب المسلمين، وأوضح أن غرضهم من حربهم هذه أن يردوا المسلمين عن دينهم، ولذا وجب ردهم، فإن استخدموا قوة العلم وجب علينا الرد بنفس سلاحهم، وإن استخدموا قوة السلاح وجب علينا دفعهم بنفس سلاحهم، لأنهم هم البادئون، ولعل التاريخ يشهد بهذا قديما وحديثا: قديما، حيث كانوا يأخذون المسلمين ويعذبونهم ليكفروا؛ وحديثا ما تقوم به حملات التبشير في كثير من دول العالم، وما يفعله الهندوس في مسلمي الهند، وغير ذلك من الحملات الدولية والحملات المنظمة وغير المنظمة، كرها في دين لا يعرفون عنه شيئا، ولكنهم كرهوه عنادا وعن عمدٍ من كبرائهم، وجهلا من عوامهم.. فماذا يصنع المسلمون ساعتها؟ أيتركون دينهم يضيع؟! إذن خسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين!!
وأوضح الله تعالى أن الجهاد يحفظ دور العبادة من المساجد وغيرها من الهدم، قال تعالى: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدِّمت صوامع وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرنَّ الله من ينصره إنَّ الله لقويٌّ عزيزٌ).
- 2- تهيئة الجو العام لنشر الإسلام،
ويتبع ذلك مثلا: صد العدوان، وقد قال تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، وقال تعالى: {فَقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًۭا وَأَشَدُّ تَنكِيلًۭ}، بل أعلم الله تعالى المؤمنين أن هناك من يتربص بهم من عدوهم غير ظاهرين، وهم يفكرون ويدبرون للقضاء على دينهم، ومن هنا قال تعالى: {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}.
- 3- أن جهاد الدعوة القديم أحاطته المنظومة الأخلاقية للجهاد،
وفي ذلك يروي أبو داود بسنده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).. فالجهاد يكون باسم الله، محفوفا بالرحمة حتى في الحرب، فلا يقتل شيخًا كبيرا، ولا طفلاً صغيرا، ولا امرأةً لا علاقة لها بالحرب، ولا يأخذون ما لا يحق لهم، كما أنه يأمرهم بالإحسان والإصلاح، لأن هذه هي رسالة الإسلام.. فأين أمريكا واليهود من هذه الصورة المشرقة وغيرهم مما يفعلونه في بلاد المسلمين؟!!
لو كان هناك وصمٌ بالإرهاب فالحكومة الأمريكية وحلفاؤها، والصهاينة؛ هم أول إرهابيين في تاريخ الإنسانية الحاضر، ويجب فهم آيات الجهاد في سياقها التاريخي، مع كونها صالحة لكل زمان ومكان، ولعل تاريخ الحروب الصليبية ليس منّا ببعيد، وما فعله النصارى في الأندلس والمحارق وأدوات التعذيب، وكذلك ما يفعله الهندوس من حرق المسلمين أحياء في الهند، كل هذا يقول: أين الإرهاب وما مصدره؟
إن هدف المسلمين هو الدعوة إلى توحيد الله وتعمير الأرض بما يصلح الإنسانية، لأن ديننا ليس حصرا علينا نفعه، بل جاء لينفع الناس جميعا، وقد أوضح الله تعالى طبيعة هذه الرسالة الخاتمة: {وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا رَحْمَةًۭ لِّلْعَـٰلَمِينَ}.
- 4- أن جهاد الدعوة الآن ليس منحصرا في القتال،
فهناك من الوسائل الحديثة ما يجعلنا في غنى عن قتال غيرنا ليسمحوا لنا بدعوة شعوبهم، وبالطبع نقول هذا الكلام من باب الاستراتيجية المستقبلة، لا الواقع المعيش الذي يقول: إن المسلمين هم أذل الشعوب، وهم لا يستطيعون قتالا، ونحن لا نلجأ إليه إلا عند الدفع والضرورة التي تقتضيها الظروف المحاطة بنا دفاعا عن أوطاننا وشرفنا وعقيدتنا، ولو أن غيرنا بقوا في مساكنهم وما اعتدوا علينا لما وجب علينا أن نقاتل المخالف لنا في العقيدة، بناء على قاعدة: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ}، و{لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ}.
وعلى المسلمين أن يتخذوا من الوسائل المعاصرة، خاصة وسائل الإعلام المرئي والمسموع من الإذاعة والتلفزيون والفضائيات والإنترنت والمجلات والجرائد وغيرها ما يعرضون به دعوتهم صافية نقية، فإن قبلها غيرنا فبها ونعمت، وإن رفضوها ولم يعتدوا علينا، فهم إخواننا في الإنسانية {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟}، وقد قال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًۭا}، وقال: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًۭا}، إلى غير ذلك من الآيات التي تذكر أن الناس إخوة في الإنسانية، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم لآدم، وآدم إلى تراب) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
إن الجهاد هو فتح باب الدعوة، وليس الجهاد في ذاته دعوة، ولذا، قدم الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة المنهج في هذا أن تكون الدعوة أولا: (ادعهم إلى الإسلام)، فإن قبلوا ذلك، كان على المسلمين أن يكفوا وأن يتركوا الجهاد القتالي، بل ويصبح المسلمون آثمون إن ترك لهم حرية دعوة غيرهم، ثم هم أعملوا القتل في أعدائهم لإجبارهم على الإسلام.
ولذا لم يجعل الله تعالى الجهاد للدعوة بالقتال وحده، فهناك الجهاد بالقرآن للدعوة، قال تعالى: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}.
ويمكن تلخيص كل هذا في أن: “الجهاد يفتح الباب للدعوة”، وهذا هو المقصد الأهم، أما عملية الدعوة فلها أدواتها، وذاك حديث آخر.
- د. مسعود صبري