استشاراتالدعوة

أنا وأخي.. الخوف القاتل

  • السؤال:
لدي مشكلة بيني وبين أخي تؤرقني حاولت حلها دون جدوى، وسأحاول شرحها بشيء من التفصيل والله الموفق:
أخي أصغر مني بأربع سنوات، وهو الآن في سنة التخرج وإنهاء الدراسة الجامعية، نحن من أسرة متدينة متحابة تسودها العاطفة والاستقرار الأسري والمادي.
وقد أكرمني الله بحفظ كتابه الكريم مما شكل الدافع أيضا لدى أخي ليتم حفظ القرآن الكريم، وبما أن حفظه متقن فقد شجعته ليشترك بالمسابقات التي تقام في منطقتنا، وقد حاز على مراكز جيدة والحمد لله.
نشأ أخي على حب الله وطاعة الوالدين والالتزام بالصلوات وكل أمور الخير، إلى أن دخل الجامعة ورأى أقرانه من الشباب المنغمسين في الحياة الدنيوية البعيدة عن المعاني الإيمانية دون أن يعرفوا هدف وجودهم في هذه الحياة، فأصبحوا يبتعدون عنه لأن تفكيره غير تفكيرهم ويتحدثون عن مواضيع الحب والصداقة بعيدا عنه.. وللأسف بدلا من أن يؤثر فيهم فقد تأثر بهم، وأعاد النظر لحياته ومعتقداته فاستشعر أنه ساذج في هذا الزمن ولابد له من أن يتغير، حتى ينضم للمجموعات الشبابية ولا يظل منفردا وحيدا.

ففي البداية أعجب بابنة خالتي التي تبلغ من العمر 14 عاما وحاول خطبتها، ولكن خالتي لم توافق لأنه في مرحلة طيش ولم يكون نفسه، بالإضافة لوجود أمراض وراثية في العائلة، وابنتها لا تزال صغيرة على الزواج.
فاتجه للبحث عن صداقة أخرى وأفلح بأن يكون صداقة مع بائعة محجبة تعمل في صيدلية بحيث كلما أراد أن يشتري دواء يذهب ويتكلم معها بمواضيع مختلفة، وكانت نيته أن يجعلها تقع في غرامه ليتحدث عن بطولته أمام أقرانه في الجامعة، إلى أن استحوذ على ثقة أصدقاء السوء وأوضح لهم أنه لا يختلف عنهم بشيء، فأرشدوه إلى بعض مواقع الإنترنت التي من خلالها يتحدث مع الفتيات أو ينتحل شخصية فتاة عاشقة تتحدث مع الفتيان.

وقد حاولت جاهدة في أن أبين له أن هذا الطريق خاطئ إذا استمر به، فكانت إجابته دائما أنه يعرف تماما ماذا يفعل وأنه يتسلى فقط، بل وفي بعض الأحيان يقول إنني فتاة بلا مشاعر لأنني لا أقيم صداقات كما يفعل هو؛ أخبرته أن هذه الأفعال لا تليق بحفظة القرآن العارفين لطريق الله القويم، وأنه لا توجد مراهقة في الإسلام، فآثر أن يخفي عني كل ما يتعلق به، وأصبح يتكتم على كل أموره ويكذب دائما ولا يريدني أن أنصحه ولا حتى أن أخبر والدي عنه بحجة أن ذلك سيؤدي إلى إغضابهم وسأكون أنا السبب ولن يمنعه أحد عما يريد فعله فهو شاب وله كامل حريته ولن يسمح لنا بتقييد حريته.
واستمر بهذه الحال إلى أن اكتشفت أنه يتحدث مع فتاة بهاتفه النقال كان قد تعرف عليها عن طريق الإنترنت، وعندما واجهته بأنني سمعته وهو يتحدث معها اختلق الأكاذيب، حاولت أن أنصحه دون أن أخبر والدي ووالدتي ولكن دون جدوى، فاضطررت أن أخبرهم فاشتعل الحقد في قلب أخي علي.

لم يعد في يدي حيلة، بل إن سكت عما أرى سأكون شيطانا أخرس ساكتة عن الحق.. نصحه والدي وأمي تارة وهددوه تارة أخرى، وفي كل مرة يظهر أنه نادم ثم يعود لما كان عليه.
تخيل أنه حتى في رمضان بعد أن يعود من صلاة التراويح يزعم أنه ذاهب إلى أحد أصدقائه فيخرج من البيت ليتكلم مع صديقته دون أن يزعجه أحد!!! طبعا أنا اكتشفت ذلك لأنني رأيت هاتفه وهو نائم فوجدت أن وقت المكالمات يكون بعد صلاة التراويح، فهددني بأنه قد دعا الله علي بأشنع الدعوات إذا تجسست ورأيت ما بهاتفه، بل إنه لم يعد يفارق هاتفه وصار يأخذه معه حتى إذا دخل بيت الخلاء أكرمكم الله، وكل ذلك وهو مستمر في الصلاة والصيام وحفظ القرآن والدعاء بكل خير.

وفي رمضان صار يضيق بي لأني أتابعه في كل تحركاته وتصرفاته، فقال أنه ذاهب ليعتكف في المسجد حتى يرتاح مني ومن مراقبتي، وكنت أذكره دائما بأنه مراقب من الله تعالى وليس مني، وأن عذابه مضاعف لأنه حافظ لكتاب الله، وألا يكون ممن أضلهم الله على علم، ولا يمكن أن يجتمع نقيضان في قلب رجل واحد، فكان يحاول إسكاتي، وتناقشت معه بأنه لا يوجد مبرر لكل ما يفعله، بل إن أحواله ازدادت سوءا حيث تخلى الله عن توفيقه في دراسته وعن كثير من أموره، وأصبح شارد البال لا يهتم لأمرنا ولا يهمه سوى مصلحته.
وعندما حاولت أن أصل لما يدور في باله استوضحت أنه يحاول بناء شخصيته، وأن أفكارنا ومبادءنا المثالية لم تعد صالحة لهذا الزمن، وبما أنه يعمل أعمالا صالحة فلا بأس من المعصية، فهو فقط يتحدث معها وتبثه همومها ومشاكلها وتشعره برجولته.. وفي النهاية فإنه مقتنع تمام الاقتناع بأنني لا يجب أن أطلع على خصوصياته فهذا من باب التجسس، والله تعالى قال: (ولا تجسسوا)، كما أنني يجب أن لا أخبر أبي وأمي عن أية ملاحظة عليه، فهذا من باب تقييد حريته أولا، ومن باب الفتنة وإزعاجهم وعدم برهم لأنني سأعكر سعادتهم، ويجب أن أكف عن نصحه لأنني أديت واجبي، ويكفي ولا داعي للتكرار فالآية تقول: (إن عليك إلا البلاغ)، و(لا إكراه في الدين)، فليس لي علاقة فيه وهو حر في تصرفاته، ولكنني لا يمكنني أن أترك أخي على معصية.. فشاب نشأ في مثل بيئته لا يجدر به أن يفعل كما يفعل من لا يعرف طريق الله، كما أنه جبل على الخير ويجب أن يعود كما كان شابا نشأ في طاعة الله.
أفيدوني هل أنا على صواب؟ وماذا علي أن أفعل؟
وجزاكم الله خيرا، واعذروني على الإطالة، ولكن حتى تحيطوا بجميع جوانب المشكلة.

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة؛
نسأل الله تعالى أن يتقبل منك حرصك على أخيك، أن يكون دائما في طاعة الله تعالى، وإنه لمما يدخل السرور على القلب أن نلمس حرص فتاة مؤمنة وخوفها على أخيها، فكما يجب على الأخ أن يخاف على أخته، يجب على الأخت أن تخاف على أخيها.

ولكن دعيني أناقشك في بعض الأمور التي وردت في رسالتك، عسى أن نقف على أرضية للفهم لمشكلة أخيك، ومنها ننطلق لإيجاد حلول مقترحة، أو على الأقل نبين لك الطريق كي تأخذي خطوات عملية للإصلاح.

لقد ذكرت أنك أخذت بيد أخيك إلى أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى عبر التشجيع الدائم المستمر، مع كونه كان لا يحب هذا، إلا أن الله تعالى وفقك لهذه الخطوة التي يتمناها الجميع، ولي في ذلك ملاحظتان:

  • الملاحظة الأولى:

لاحظي الفرق بين أسلوبك معه في المرة الأولى، وأسلوبك معه في المرة الثانية، ففي المرة الأولى اتخذت أسلوب الترغيب والتحبيب، مما دفع أخاك إلى الاستجابة لك، ولم يأخذ الأمر على أنك أخته الأكبر منه، ولم يستشعر ما استشعره في المرة الثانية من استقلال الشخصية؛ إن هذا يعني أن أخاك ممن لا يستجيبون إلى ما يدعون إليه بأسلوب الترهيب، بل هو في حاجة دائمة إلى تشجيعه على الخير والأخذ بيده بتنمية ما في نفسه من منابت الخير والإحسان والصلاح، مما يجعل هذا الصلاح يطغى على الجانب الآخر من الفساد، وقد قال تعالى: (وهديناه النجدين)، أي أن الله تعالى أوضح لنا طريق الخير والشر، وكل واحد منا بداخله الخير والشر، فإن غلب الخير الشر كان إنسانا خيّرا، وإن غلب الشر الخير كان شريرا، وهذا يعني أنه يجب عليك أن تغيري أسلوبك معه في الدعوة، وسنعود لهذا بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.

  • الملاحظة الثانية:

وهي أنك اهتممت بأخيك أن يكون حافظا للقرآن، والقرآن مع كونه كلام الله، إلا أن الوظيفة الأولى للقرآن هي الهداية (هدى للمتقين)، (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور), وغير ذلك.
وهذا يعني أننا حين ندعو الناس للقرآن يجب ألا ينصب همنا إلى أن يستظهروا القرآن ويحفظوا كلماته دون أن يكون لهذا القرآن تأثير في النفس، وأثر ملموس في سلوك الفرد؛ إن القرآن قد يكون حجة للإنسان، وقد يكون حجة عليه، وقد كان من نهج الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يأخذوا عشر آيات من القرآن لا يزيدون عليها، فيعملون بها ويطبقونها، ثم يذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذون منه غيرها.
إننا لسنا بحاجة إلى أن يكون كل همنا حفظ القرآن عن ظهر قلب فهذه قدرات، ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم يحفظون القرآن، ولكن كان أغلبهم يعمل بالقرآن، ولو أردنا إصلاحا لمجتمعنا لقدمنا العمل بالقرآن على حفظه.. قد يكفي المرء أن يحسن تلاوته وتجويده، وأن يحفظ قدر ما استطاع، لكن يعمل بما يقرأ، فبماذا ينفع القرآن شخصا أقام حروفه وضيع حدوده؟! بل سيكون القرآن نقمة عليه إن لم يتب إلى الله تعالى.

وهذا يعني أننا في حاجة إلى أن نقدم وظائف القرآن للناس، سهلة يسيرة يعمل الناس بها، وأن يتحول الناس قرآنا يتحرك ويمشي، فساعتها نكون أمة قد حَيت بالقرآن، وهذا يعني أنك في حاجة إلى أن تنظري ما ينقص أخاك، وأن تأخذي من القرآن ما يغير حياته إلى الأحسن.

* أما عن أصحابه، فلا شك أن الأصدقاء لهم تأثير كبير على الإنسان، قد يفوق تأثير الأسرة التي يعيش فيها، وحين ندخل إنسانا ميدانا يجب أن يكون مسلحا، فماذا قدمنا له حتى يتسلح أمام هذه العواصف؟ هل هيأناه للدعوة إلى الله تعالى حتى يؤثر في غيره؟ وما هي طرق العرض التي جذبته للالتزام بشرع الله؟

إن أخاك في مرحلة مراهقة، ولو كانت متأخرة؛ ويجب فهمه فهما جيدا، وأن نشبع فيه رغباته بطريق حلال، وأن نكون كالطبيب الحاني على مريضه.

أنا لا أعفي أخاك من مسئولية صنيعه، ولكن التذمر الشديد والنقد اللاذع قد يأتي بغير ما نشتهي، إننا نتفق على الإصلاح، ولكن يجب أن ننظر الطريقة الصحيحة لهذا الإصلاح، كالطبيب لا يعطي كل الناس دواء واحدا، حتى لو كان هو صاحب تخصص واحد، ولكن الحالات تتفاوت، وهذا يتطلب معرفة تامة بشخصية المريض وأن نقدم العلاج المناسب له دون زيادة أو نقصان، بحيث يؤتي ثماره بإذن ربه.
وإن كان أصحاب السوء نجحوا في جذب أخيك، فانظري كيف تكونين صاحبة أخيك وليس فقط أخته، وأن يأتمنك في كل صغيرة وكبيرة، فأنت بإشعاره برقابتك المستمرة عليه، وتجسسك الدائم على كل شئونه –وإن كان بدافع الحرص على مصلحته وخيره- فإنك بذلك قطعت الحبل الذي بينك وبين أخيك وجعلته لا يثق فيك ويخفي عنك ما يفعل، فأعيدي هذا بينك وبينه، وكوني معه، ولو كان يقوم ببعض الأخطاء، لكن بقاء الثقة هي السبيل الأمثل للتغيير، وخاصة أنك لم تذكري أن لأخيك أصدقاء طيبين يخشون عليه ويأخذون بيده إلى الخير، وهذا يعني –حسب ما جاء في الرسالة– أنك أنت الوحيدة التي يمكن لك أن تساعديه وأن تأخذي بيده، فلا تقطعي الخيط الذي بينكما، وتتركيه فريسة أصدقاء السوء.

وقد لاحظت من كلامك أن أخاك يرجو إثبات الذات، فخذي هذه الصفة، وحوليها في مجال الخير والنفع، نحن لا نريد أن نهدم ثوابت الإنسان في حياته، ولكن نريد أن نستخدم هذه الثوابت في الخير، إن الناظر للصحابة يجد أن شخصياتهم لم تتغير، ولكن تغيرت سلوكياتهم وتصرفاتهم، فعمر بقوته وحماسه وشجاعته وفطنته وذكائه هو هو عمر، لكن بدلا من الجاهلية كان في الإسلام، وأبو سفيان بجاهه ومكانته وحبه للرياسة تحولت حياته من صد عن سبيل الله إلى الجهاد في سبيل الله، وقد كان لأبي سفيان رضي الله عنه مواقف مشرفة، جعلت المسلمين يثبتون في حروبهم ضد أعدائهم بعدما كان هو الذي يقود الحروب ضد المسلمين، ويحرض على إبادة الإسلام، وعمرو بن العاص القائد الميداني وصاحبه خالد بن الوليد صاحب الخطط العسكرية المحكمة لم تتغير شخصيتهما بعد الإسلام، لكنها وجهت إلى الأحسن.. وهكذا فنحن نريد من أخيك ألا يغير من شخصيته، لكنه يستخدمها فيما يصلح نفسه ودينه وأمته.

نقطة مهمة أحب أن ألفت انتباهك إليها، وهي أننا يجب أن نقدم من الإسلام ما يحبب الناس إليه، لا أن ينفرهم منه، فإن كان أخوك يحب الخروج والتنزه، فلماذا لا تكون هناك رحلات عائلية يجد فيها متعته وراحته، وإن كان يحب المشاركة فلماذا لا نفتح له مجالات يجد فيها نفسه ويظهر فيها مواهبه؟

وإن كانت المشكلة في علاقته بالجنس الآخر، فإنه يجب أن نعلمه دون تعصب أو تشدد موقف الإسلام من هذه القضية، وما هي الأطر المتاحة والمباحة في هذه العلاقة، فهي بشكل من الخصوصية الشديدة لا تكون إلا في إطار الزواج، غير أن التعامل بين الجنسين بشكل عام يجب أن يكون هناك ما يدعو إليه من الحاجة أو المصلحة أو الضرورة وغير ذلك من المتطلبات، لا أن تكون فارغة لا يقصد بها إلا الشهوة، فنحن لا نرفض ولا نقبل، بل الرفض والقبول ضمن ضوابط شرعية هي في صالح الإنسان، لأنها من الله تعالى الذي خلق هذا الإنسان.

أما بخصوص علاقته بالفتاة التي يتحدث معها، فإنه يجدر بنا أن نلفت انتباه الناس إلى المقصود من الفعل، وما يترتب عليه وما ينتهي إليه من نتائج، فإن الحديث مع الفتاة ليثبت رجولته إن كان هذا هو الهدف، فإن إثبات الرجولة لا يكون بالتعامل مع الأنثىفقط، بل له وسائل عديدة، ويمكن له أن يفكر في الارتباط إن شاء، فإن كان يرى أنه لا يحب الارتباط، فليحاول أن ينظر إلى مستقبله وتحقيق ذاته في ميادين حقيقية ومفيدة، وأن يحذر أن يتورط في علاقة تجعله يرتبط بفتاة قد لا تسعده، بل يتزوجها لمجرد هذه العاطفية المؤقتة، وإن وجد في الفتاة أنها تناسبه، فليفكر في الخطوات الإيجابية للارتباط إن كان هذا وقتها.

وكلمة أخيرة أحب أن أؤكد عليها، أنه يجب علينا أن نقدم الإسلام بصورة أحسن، وأن نتمهل في العلاج، وقد يترك الطبيب بعض الجرح لأنه لا يصلح أن يعالج جرحين معا، لكنه ينظر أكبرهما، حتى ينتهي منه ثم ينظر الآخر.
فكوني صديقة أخيك وطبيبته، وتقربي منه وغيري أسلوب التعامل معه، واغرسي فيه الخوف من الله تعالى والرجاء في رحمته، وأنه يجب عليه أن يترك حين يترك لله، ويفعل حين يفعل لله، لا للناس ولا المجتمع، وأنه يمكن له أن يجمع بين خيري الدنيا والآخرة.
وتابعينا بأخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى