استشاراتالجنس والغرام

ارتكاب الفاحشة تحت ستار الزواج الكاذب

  • السؤال:
السلام عليك ورحمة الله و بركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، ارتبطت بشخص يكبرني بـ 14 عاما، متزوج ولدية ثلاث أطفال، أحببته بجنون، وهو أيضا يحبني، تقدم لخطبتي ولكن طلبه لقي رفضا منقطع النظير من أهلي، طبعا لأنه متزوج، ومن يومها ونحن نمارس الحياة الزوجية ممارسة كاملة، كما يمارسها الأزواج، وقد كتبنا ورقة بيني وبينه، يقر فيها أنني زوجته أمام الله، وهو خير الشاهدين، ولم نشهد أحدا من البشر. فهل تشفع لنا هذه الورقة أمام الله أم أن هذا الزواج غير صحيح؟ أرجو إفادتي بأقصى سرعة لأني حائرة جدا في هذا الأمر، أشكركم علي تعاونكم، وأعانكم الله علي الجهد الذي تبذلونه.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة:

اسمحي لي أن أناقش الأحداث قبل وقوعها، مع أنه قد يكون لا فائدة منه في النظرة العجلى، لكنه في ظني مهم جدا، ثم أتحدث عن الوضع الحالي، حتى يكون الكلام متوائما، بين التنظير والواقع.

لقد أخبرت في رسالتك أنك ارتبط بهذا الرجل، ولم تخبري عن كيفية الارتباط، فكثيرا ما يكون البناء على خطأ، تأتي نتائجه متعسرة، أو لا تتحقق بشكل صحيح، ومن هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين العمل والقصد حين قال: “إنما الأعمال بالنية”، وهذه الصيغة هي أكثر الروايات الواردة، فلابد من القصد الحسن بداية، كما يجب أن يتبعه موافقة الشرع، وأنت لم تخبرينا في أي ظروف تعرفت على هذا الرجل، وبأي شكل كان هذا التعارف، وهذا الارتباط الذي وصفته بأنه “حب الجنون”، وما تحمله الكلمة من معاني ودلالات تعبر عن الشحنة الشعورية، والثورة العاطفية التي أحدثت انقلابا عكسيا في حياتك، حولك من فتاة تنظر مستقبلا جميلا مع زوج – أيا كان الزوج- إلى أن وصلت للمعاشرة الحرام، باسم الحب تحت ستار الزواج الكاذب، نعم إنه “زواج كاذب”، وهذا أقل ما يمكن أن يوصف به.

لقد أذبلت زهرة متفتحة بشهوة ما استطعت كبح جماحها، وخُدعت وخَدعت بما وصلت إليه من نتيجة، يا أختي أنت تعيشين في حرام، ولو كنت تخافين الله تعالى حقا، فعليك ترك هذا الرجل فورا، أو الزواج منه زواجا شرعيا، وعودي إلى ربك، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين، عسى الله تعالى أن يمن عليك بتوبة صادقة، وأن تنشلي نفسك من هذا الوحل الذي ستغرقين فيه، وتنجين من لجاج الشهوة إلى بر الأمان، عسى الله أن يبدل سيئاتك حسنات، وما ذلك على الله بعزيز.

إن المسلم منضبط بأوامر الشرع، لأنه عبد لله، فقد يكون للإنسان تطلعات، لكن التطلعات لو لم يحصل عليها بطريق مشروع لا يسعى إليها، ولن تقف دنياه عند هذا التطلع، لأن المسلم ليس عبدا لشيء، وإنما هو عبد لله فحسب، وإن كان هذا التطلع قد وصل إلى حد “الجنون” كما وصفت، فليكن مثابرا مصابرا على طرق الأبواب المشروعة، وليتحل بالصبر، فإن لم يفتح له الباب الآن، فعسى أن يكون له غدا أو بعد غد، لكن الالتزام بحدود الله أمر واجب {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}.

لقد ظلمتما نفسيكما، يا أختي، أين ضميرك؟ أين حياؤك؟ أين دينك؟ أين أنت من الله؟؟ ما الذي حدث في الدنيا يا ناس؟ لماذا نتجرأ على الحرام بهذا الشكل؟ والمصيبة أننا نلبسه زي زور ونسميه حلالا؟ إن المكان الذي تعيشيان فيه يشكوكما إلى الله، فقد سئم الحرام، وكان يمكن لكما أن تجتمعا على الحلال. انظري أختي إلى نفسك بصدق، اخلعي عنك ثوب الزور الذي تلبسينه، واكشفي عن حقيقة نفسك بين نفسك، الحظي هذا في نفسك، وفي قلبك، حدثي نفسك الصادقة، واسمعي منها، تذكري ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة نوراً في القلب، وزيناً في الوجه، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة ظلمة في القلب، وشينا في الوجه، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الناس.

أختي أحسن الظن بك، وأقول لك: لقد خدعك صاحبك، ولو كان يحبك فعلا ما رضي أن تجتمعا في حرام، ولا تظني أنه لا يعرف أن الذي فعلتماه خطأ، فرجل له ثلاثة أبناء يعني أن له دراية بالحياة، وأنت صغيرة، غرر بك، وإن لم يكن هذا معافيك من الإثم عند الله، لكن يا أختي زواجكما ليس بزواج، فهو باطل باطل باطل، وعيشتكما حرام في حرام في حرام، فالزواج لابد فيه من الإيجاب والقبول والمهر وموافقة الولي والشهود والإشهار والتوثيق، لماذا حرمت أهلك أن يفرحوا بك عروسا في زينتها يوم زفافها؟ لماذا أغضبت ربك وأنت أمته التي خلقك وأنعم عليك بنعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى؟ كيف بك وأنت تقفين أمام ربك فيسألك عن شرفك ودينك، فماذا أنت قائلة له؟

أختي..
أتلمس فيك الحيرة، وسآخذ بحسن الظن، فأدركي نفسك يا أختي، فأنت على خطر عظيم، أنت على حافة الهاوية، إن ربك يناديك وينادينا جميعا: {وَتُوبُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ  تُفْلِحُونَ}، فهل ستقبلين على ربك أختي، وتتركين هذا الجنون الذي قد يودي بك إلى ما يحمد عقباه، واحمدي الله على أن سترك حتى الآن، فلربما لأنك صغيرة السن لا تدركين، وتعلمي من هذا الدرس في حياتك. عيشي أختي كأية فتاة، يفرح بها أهلها بعرسها، يأتي من يطلبها من أبيك، وتتم الموافقة عليه، وتدخلي السرور على قلوب أهلك، وتفرحي بمن يحبك فعلا ولا يخدعك، فكم من الرجال يخدعون الفتيات باسم الحب، ولو كان بينهما حب صادق، ما رضوا إلا أن تكون الفتاة مصونة عرضها، كريمة تطلب في بيتها، وما دنس الرجل شرفه، وأوحل دينه، بل حماه من كل شائبة.

لو كان ما حدث صغائر لكان الأمر هينا، ولكن الذي حدث كبيرة من الكبائر، بل هي من أعظم الكبائر، فاستري على نفسك أولا، ولا تحدثي أحدا عن هذا، وأرى أن تشهدي اثنين على هذا العقد، وأن ترفعي قضية إثبات في المحكمة، ثم يتم الطلاق بينكما، وانظري آخر يعيش معك، والأولى أن يتم حل الموضوع بالتراضي بينكما، على نحو تظهر فيه النية للإصلاح بينكما، ولو بالانفصال التام.

إنني لا أحرم ما أحل الله، ولا أحل ما حرم الله، وليس من العيب أن تتزوج فتاة رجلا متزوجا، فهذا شرع الله، وهو فوق الرأس، وليس عندنا عورة في الإسلام نخفيها، ولكن بالطريقة التي شرعها الله تعالى، لا بالخداع والغش، إن صاحبك في مأمن الآن، فليس لك الحق في أي شيء، فلو أنجبت لكان ولدك من أبناء الشوارع؟ إن الزواج يا أختي ليس مجرد إفراغ شهوة، ولكنه بناء مؤسسة اجتماعية من الزوجين والأولاد، ليقوم الجميع بدورهم، فإن استطعت أن تصلحي ما بينك وبين الرجل بطريق مشروع، أو افعلي ما أخبرتك به حتى تثبتي علاقتك به بطريق قانوني، لييسر لك أمر زواجك بآخر، فلأن تتزوجي آخر وتخبرينه بأنك كنت متزوجة، خير لك من أن تتزوجيه وهو يعلم أنك كنت “زانية”.

حفظك الله من شر الحرام، وأعادك إلى طريقه، وعندي ثقة كبيرة فيك أختي أنك ستنهين هذه العلاقة، وتعودين إلى الله، وأبشري، فإن من ترك شيئا لله أبدله الله تعالى خيرا منه، ولأن يضيع منك حب في حرام، خير من أن يضيع منك جنة الله ونعيمه، ومن سار في طريق الله، جمع الله تعالى له بين خيري الدنيا والآخرة.

أختي.. لا تحرمينا من الاطمئنان عليك، فإن كنت أنت حائرة، وتريدين الإجابة بشكل سريع، فإننا على شوق أن تدخلي السرور على قلوبنا بتوبتك إلى الله تعالى، وإصلاح هذا الفساد.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى