- السؤال:
مشكلتي باختصار تتمثل في اليقين والعقيدة. ولكن البلاء الأكبر أن هذه الخواطر أتت في وقت امتحاناتي، ولكن وفقني الله ونجحت في الامتحانات بتفوق كالعادة. وكان من وسائل التثبيت في الامتحانات الجلوس بعد الصلاة لقراءة القران. وانشغلت بالمسيحية وهل هي حق أم لا، إلى أن فتحت المصحف علي آيات حقيقة أن المسيحيين حرفوا الحق؛ وكأنها رسالة من الله. ولكن بعد هذه المحنة بفترة وبعد الامتحانات أخذ عقلي يشكك في هذه الآية وأني كنت أفكر في مشاكل أخري وليس المسيحية وقت أن قرأت هذه الآيات تتعلق بوجود الله أصلا وأشياء من هذا القبيل، وأني أنا الذي أقنعت نفسي بأن هذا الحديث رسالة من الله وتثبيت من الله: (الحدث هو فتح المصحف علي إجابات أسئلتي بالصدفة). فانا أخاف الآن بعد أن أكرمني الله في الامتحانات أن أكون أري آيات الله وأنكرها بالقول لأني لم أكن في المسيحية وقت أن فتحت المصحف علي آيات المسيح. هل تفهمني سيدي أعرف أني لا أوضح بالشكل الكافي؛ حيث إن التعبير عن ما أشعر به صعب لكن إن شاء الله سيوفقك لفهم رسالتي وسترد علي بالرد المناسب. |
- الجوب:
الأخ الفاضل:
الشك حالة من الحالات التي تنتاب كثيرا من البشر، بل أحسب أن غالب البشر– إن لم يكونوا كلهم– يمرون بحالات من الشك، وإن تعددت مجالاته، وعلى رأس هذا الشك؛ الشك في العقيدة، وهو يحتل مساحة كبيرة من حياة عدد من الناس، وذلك لأن العقيدة تمثل جزءا هاما من حياة البشر.
والشك دليل على قوة الإيمان في نفس الإنسان، فلولا هذا الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، ما تحرك إبليس بجنوده ليزحزح هذا الإيمان عن موقعه، وفي خضم ما يعيشه بعض الناس حين يواجهون زوبعات الشك، يهبهم الله تعالى بعض الوسائل المعينة على الثبات، وعليهم ساعتها أن يقتنصوها، وخاصة أن التهديد الواقع عليهم ليس تهديدا في شيء قليل، إنه في أساس رسالة الإنسان في الحياة، والتي قال الله تعالى عنها {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وقال أيضا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَـٰمِ دِينًۭا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ}.
وعلى المرء ساعتها أن يتقبل هدية الله تعالى منه، وأن يستمسك بحبل الله المتين، وأن يظل ثابتا على الصراط المستقيم، وأن يدرك أن الوسوسة شيء هش ضعيف لا يقوى أمام الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، غير أن كثيرا من الناس يكبر الصغير، ويعظم الحقير، ويحبس نفسه في دائرة مفرغة من الشك، ثم يصرخ يريد الخروج منها، وأيسر الحلول أن يعلم من يعيش في وسوسة أن الدائرة التي يحبس نفسه فيها إنما هي دائرة متوهمة، لو تحرك قليلا لخرج منها، كما أن عليه أن ينظر إلى المسألة بمنظار حقيقي، فيضع المشكلة في حجمها، ثم يتعامل معها بشكل واقعي وواضح.
كما أن من أهم الأسباب التي تساعد الإنسان في علاج مشكلته هذه أن يدرك الأسباب التي جعلته يقع في المشكلة، فكثيرا من المشاكل التي يقع فيها الناس لم تقع على أم رؤوسهم، ولكنها قد تكون نتاج مشاهدات أو قراءات أو محاورات وغير ذلك، وأن تلح فكرة معينة في رأس إنسان فهذا يعني أنها موجودة في بؤرة الاهتمام عنده.
- وبعد هذه المقدمة أقول لك:
إن ما أنت فيه شيء يقع لمئات وآلاف من الناس في لحظة من لحظات حياته، فلا تجعل الدنيا قد انهدمت أمامك، فهو أمر يسير، وربما تعجب حين أقول لك: إن الشك الذي تعاني منه وقع لعدد من الصحابة، وحين أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كبر، معلما إياهم أن هذا عين الإيمان.
وقد وهبك الله تعالى -حين شكك- الجواب عما وسوس لك الشيطان فيه، واستقر الإيمان في قلبك، غير أن الشيطان ما تركك، وعاد إليك مرة أخرى ليزين لك الشك، والمطلوب منك الآن أن تجاهد نفسك، وأن تأخذ بالأسباب، حتى تنال ثواب المجاهدة، وتيقن أن الله تعالى سيحفظك ويحفظ لك إيمانك كما قال تعالى: {وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
وقد أخبر الله تعالى أن كيد الشيطان ضعيف، فلنجعله ضعيفا كما وصفه الله، فقال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفًا}، وأوضح القرآن الكريم على لسان إبليس طبيعة عمله، وأنه مجرد دعوة، والدعوة ليس فيها إجبار للناس على الفعل، كما قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيّ}.
وهذا يعني أنه من اليسير على الإنسان ألا يستجيب لدعوة الشيطان، فإن دعاك صاحبك مثلا إلى شيء ولا تحبه، فأنت تعتذر إليه، ولو كان إنسان بينك وبينه عداوة فإنك ترفضه بشدة، والوسوسة آتية من عدوك الشيطان، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
فما دمت عرفت من أين الوسوسة، ومن الذي يأتيها، ولماذا يأتيها، وما هي طبيعتها، استطعت ساعتها أن تكشف زيغ ما يراودك في نفسك، وأنه ليس مستقرا في قلبك، فاخرج منه، واستعذ بالله تعالى، وثق في الله أنه لن يضيعك ولن يتركك أبدا.
أما عن شكك في أن الله تعالى حين أكرمك بأن كنت تفتح آيات القرآن فتجد إجابة شافية عن كل ما يوسوس لك، ثم إنك بعد الامتحانات عاد الأمر إليك مرة أخرى، وتخشى أن يكون ذلك إنكارا لنعمة الله تعالى، فإنه ليس كذلك، فالوسوسة خارجة عن إرادة الإنسان، يعني أنها آتية من الشيطان، وأنت تكرهها ولا تتمناها، وتجاهد نفسك في صدها، فكيف تكون منكرا لنعمة الله، وأنت تجاهد عدو الله؟
ثق أنك على خير كبير، وأن فيك إيمانا عميقا لن يتزحزح، مهما وسوس لك الشيطان، فستبقى مؤمنا صادقا، تسير في طريق الله تعالى، بشرط ألا يهزمك الشيطان نفسيا، أو يوهمك أنك قد سقطت، فما زلت شامخا عليا، وكما أننا نرى النقائص، فيجب علينا أن نرى أيضا المحامد في أنفسنا وفي حياتنا، وأن نعظمها مادامت لله، وأن نسأل الله تعالى دائما الثبات، وادع دائما كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل“اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك”، فكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: “يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك” قالوا أو تخاف يا رسول الله؟ قال “وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء”، وكان يقول أيضا: “اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك”.
أخي الحبيب..
لا تخف، فما كفرت بنعمة الله، وأنت مؤمن، فيك خير كثير، عش حياتك كما يعيشها الناس، ولا تمرض نفسك بغواية عدوك، فما استطاع أن ينال منك، فابق كما أنت مؤمنا، وتمثل دعاء يوسف عليه السلام:” فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين”.
وتابعنا بأخبارك.
- د. مسعود صبري