استشاراتتقوية الإيمان

الثقة بالنفس مفتاح الطاعة والنجاح

  • السؤال:
مشكلتي أنى لا أجد نفسي، فأنا مذبذبة بين الخير والتكاسل عنه. أحضر والحمد لله مجلس علم، ولكن أشعر أني إنسانة تافهة لا قيمة لي. بل أرى أني أحضر لأجل الناس، أنا أعرف أن كلامي مشتتا كنفسي، كما أنني أتابع التلفزيون، وهذه المشاكل تؤثر في حفظي للقرآن الكريم، فأحفظ وأنسى، وأخشى أن يكون ذلك مدخلا للشيطان، فأرجو منكم أن تدلوني كيف أثق بنفسي، وهل هناك أدعية لتثبيت النفس؟

 

  • الجوب:

الأخت الفاضلة:

لو أحببت أن ألخص مشكلتك لقلت: إنه ضعف الثقة بالنفس، فأنت لا تثقين بنفسك، وعدم الثقة يورث الخلل وعدم الاتزان، كما عندك نوع من الوسوسة والشك في الغير.

ويجدر بك هنا أن تبحثي عن نفسك وإصلاحها، ولا تبحثين عن الناس، فإن الكسب الحقيقي هو أن يكسب الإنسان نفسه، ولذا روي أن عيسى عليه السلام قال: “ماذا يكسب الإنسان إذا فاز بكل شيء وخسر نفسه”.

وهذا يتطلب منك جهدا في صورة جهاد، وعملا وبذل طاقة، ومصارعة مع النفس، حتى تتغلبي على مساوئها، وقد قيل: “أضخم المعارك في حياة الإنسان تلك التي يقضيها الإنسان مع نفسه، وعندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر”، والمسلم يوقن أنه في معركة الحياة دائما منتصر، مادام يبذل الجهد لله، قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُوا۟ فِينَا  لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ}.

وقد يعيش الإنسان فترة من الركون، يكون فيها مغيبا عن الحياة، لا يدري ما يفعل في حياته، لا يؤمن بأي تغيير، يرى الفشل أمام عينيه لا يبرحهما، ويتخذ الكسل منهجا في حياته، كأنه خارج الزمان والمكان، وهذا يحتاج أن يفيق لنفسه، وأن يحدث هزة تزلزل أركان كسله، وتذهب ببناء فشله، فيسكن العمل والإنجاز، ليفوز بالنجاح في الدنيا والسعادة بالآخرة.

وعلى المرء أن يبحث عن هزة التغيير، وكلما سعى إليها، كلما كان أقرب منها، وقد تكون هذه الهزة من مشهد يراه، أو موقف يعيشه، أو يكون من مساعدة أحد إخوانه، فقد كانت هزة عمر بن الخطاب في كلام أخته فاطمة حين واجهته بحقيقة بعده عن الله، بشكل صريح صارخ، فكأنها لكمات على رأس الإنسان، فأفاق عمر، وذهب ينظر بعقله وقلبه ما دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويروي عالم النفس الأمريكي الدكتور إبراهام ماسلو عن رجل كان يصر أنه جثة هامدة لا يمكن أن ينجز شيئا في الحياة، رغم ما يبذله معه طبيبه النفسي من جهود، وفجأة جالت بخاطر الطبيب فكرة، فتوجه بالسؤال للمريض، وقال له: هل من المعقول أن تنزف الدماء من جثة هامدة؟ فرد عليه المريض قائلا: بالطبع لا. فقام الطبيب مسرعا بوخز أصبع المريض فخرجت منه نقطة دم، وظهرت الدهشة على وجه المريض، وقال: الآن أعتقد أنه يمكن أن يخرج الدم من الجثة. وتغيرت حالته بعدها.

إن المسلم الصادق لا يعرف العجز إلى نفسه طريقا، لا في أمر الدين، ولا في أمر الدنيا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نطلب دائما أعالي الأمور، كما جاء في الحديث: “إن الله يحب لكم معالي الأمور ويكره لكم سفاسفها”، بل يحث المرء إذا سأل الله تعالى الجنة أن يسأله الفردوس الأعلى منها.

إن الإيمان بفكرة القوة الدافعة التي خلقها الله تعالى في الإنسان، تدفعه دائما إلى الإنجاز والتغلب على وساوس النفس وكسلها، وأن تتصاغر أمامه كل الأفعال، في الدين والدنيا، فيقبل عليها، طالبا إياها بقوة وإيمان وعزة نفس، وما أحسن ما قاله الأستاذ محمد أحمد الراشد حين يخاطب من تكسل نفسه عن طلب المعالي، فيقول: “وفي هذا المنعطف يجفل الراهب فيدعي عجزاً، ويقول تريد مني أن أكون فقيهاً وليس جدي مالكاً ولا الشافعي، وتطلبون أن أتغنى بالشعر وما ولدني المتنبي ولا البحتري، وتتمنون أن ألوك الفلسفة وليس جاري سقراط، فمن أين يأتي لي الإبداع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة ؟ فنقول : نعم نريد ونطلب ونتمنى، ونظن، ونجزم، ولا وجه لا استضعافك نفسك، وقد أعطاك الله ذكاءً ونسباً، فلم لا تتعلّم السهر وتطلب الفصاحة. اهـ

وما أحسن ما قاله الشاعر المفكر الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله: “لقد هبّت علىّ نفحة من نسيم السحر في الصباح الباكر وناجتني وقالت لي: إن الذي عرف نفسه وعرف قيمته ومركزه لا يليق به إلا عروش المجد” . فإدراك الإنسان لقيمته، تدفعه إلى النجاح والعمل دائما بلا كلل. وقد نادي محمد إقبال المسلم العربي قائلا: فيا رجل البادية ! ويا سيد الصحراء! عُد إلى قوتك وعزتك، وامتلك ناصية الأيام، وخذ بعنان التاريخ، وقد قافلة البشرية إلى الغاية العظمى.

وتصميم المرء يجعله أهلا لعطاء الله، فمن صمم على حفظ كتابه حفظه، ومن صمم على تعلم العلوم الشرعية؛ تعلم، ومن صمم على أن يكون ذا مركز مرموق نال ما يصبو إليه، المهم أن يصمم.

يقول الأستاذ الراشد: كن حمّالاً في السوق، لكن قرّر مع أول خطوة لك فيه أن تصير تاجراً أو عقارياً أو مدير شركة فستصل بإذن الله، المهم تصميمك.

والاستفادة من التجارب الإنسانية تدفع الإنسان دائما أن يدرك أنه ليس عاجزا، وإن كان أهل الدنيا ينجحون في مجالاتهم، فلماذا يتراجع أهل الإيمان عن سبقهم، بل الواجب أن ننظر في تاريخ البشرية وأن نستفيد منه، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِ} وإن كانت الآية تتحدث عن مصير الأمم السابقة، إلا أن فيها إشارة إلى السنن التاريخية في الحياة، وأن التجارب الإنسان محط اهتمام المسلم الصادق حتى يستفيد منها.

ومن الأمثلة التي يضرب بها المثل الأمريكي إبراهام لنولكن، فقد فكّر في أن يشارك في صنع قرار في بلاده منذ أن كان ابن إحدى وعشرين سنة، ومازال به يقدم نفسه في انتخابات متنوعة، وكل مرة يبوء بالفشل، ولكنه لم ييأس، بل ظل يرشح نفسه في انتخابات محلية وانتخابات مجلس الشيوخ، وكل مرة يبوء بالفشل، حتى نجح وأصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بعد ثلاثين عاما من التجربة؛ وقد بلغ اثنتين وخمسين عاما.

وهذا العالم الشهير “أديسون” خرج من مدرسته معيرا بالفشل، إلا أنه أخذ يقوم على تجربته بنفسه، فجرب 999 مرة، حتى نجح في اكتشاف المصباح الكهربائي، وكتب يقول عن العبقرية إنها (1%) من إلهام، و (99%) هي عرق جبين.

إن إدراك الإنسان لذاته، وقوته التي استمدها من الله القوي، يجعله دائما لا يقف عند شيء، بل يجعل شعاره دائما: صوب سهامك للنجوم،فإن لم تصبها أصبت مئذنة.

بعد هذه الشحنة النفسية والإيمان يأتي الدعاء أن يهبه الله تعالى القدرة على العمل، وأن يعينه على طاعته: {رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ  أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ  أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًۭا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ}، فيكون الابتهال بالقلب، والعمل باليد والعقل، فيرتقي المسلم ليشق الحياة منجزا، فتراه صوما للنهار، قواما لليل، حافظا لكتاب الله، عالما بأحكام الشرع، منجزا أعماله على أكمل وجه، يتوجه بعمله لله تعالى بسرعة وإنجاز، قائلا لربه {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}.

الأخت الفاضلة:

كانت هذه كلمات أردنا بها أن تحيي نفسك في نفسك أولا، فإنه كما قال جرودون بايرون: ”إن الثقة بالنفس هي الاعتقاد في النفس والركون إليها والإيمان بها”.

وبعبارة أدق ما قاله الدكتور أكرم رضا عن الثقة: ”هي إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته أي الإيمان بذاته”.

فثقي في نفسك، وابدئي الحياة.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى