- السؤال:
مشكلتي كبيرة جدا، وأرجو الله أن يساعدني في حلها، تتلخص مشكلتي في أنى لا أواظب على الطاعات رغم مرور بعض الأوقات التي أشعر فيها بحلاوة الإيمان، ولكن أعود إلى المعاصي. والحقيقة أني ارتكبت بعض الكبائر مثل شرب الخمر، والمصيبة العظمى الزنا في مكة المكرمة، ولا أعرف هل التوبة تمحى هذه الكبائر أم أن عدم ثباتي على الطاعات دليل على عدم قبول توبتي؟ لقد حججت بعد جريمة الزنا، ودعوت الله كثيرا، وبكيت كثيرا، وواظبت على فعل الطاعات لمدة 8 أشهر تقريبا، ثم عدت للمعاصي مرة أخرى، لكن دون فعل كبائر، ثم تقربت إلى الله مرة أخرى، ولكن أقل من المرة السابقة، ثم عدت إلى المعاصي مرة أخرى، وأشاهد الأفلام الجنسية، وأمارس العادة السرية، وتفوتني بعض الصلوات، وسعيت للزنا مرات ولكنى تراجعت تارة وحالت الظروف تارة أخرى. أنا في حيرة شديدة، في أوقات اشعر أني منافق على الرغم أنه تمر علي أوقات أصلي فيها قيام الليل، وأدعو الله أن يغفر لي، وهذا بالطبع ليس أمام أحد. أنا في حيرة شديدة ساعدوني. |
- الجوب:
أخي السائل:
سيئ أن يعصي العبد ربه، وجيد أن يعود العبد إلي مولاه، وبين السيئ والجيد يتأرجح الإنسان، ويختار لنفسه ما يحب أن يكون عليه، وليس هذا الاختيار اختيارا عقليا، كأنها مسألة نقوم بحلها، بل اختيار فعلي يكون له أثر في حياتنا.
إن إتيان الإنسان لكثير من المعاصي كشرب الخمر والزنا وغيرهما دليل عبث في حياة الإنسان، وأنه إنسان لا هوية له، و هذا بخلاف أن يأتي الإنسان ذنبا بعينه، يتمادى فيه، فهذا دليل على مشكلة حقيقية في الإنسان، ويجب أن يبحث عن حل لها، فلو كنت مقتصرا على الزنا لكانت مشكلتك جنسية، وقد يكون في الزواج إحصان لك، ولكن مشكلتك يبدو أنها تتعلق بشخصيتك ككل، وليس كإنسان تأتي معصية بعينها، ومن هنا،
فإني أطلب منك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة، وأن تساءلها:
ما الذي تفعله؟
ولماذا تفعل هذا؟
وما جدواه؟
وهل ستستمر على هذا طول حياتك ؟
وما الذي يترتب على سلوكك في هذا الطريق المظلم؟
ومتى تعود إلى فطرتك النقية، وتحن إلى الخير والصواب؟
فأنت يا أخي على خطر عظيم، نعم، إن حالتك النفسية التي تدعوك للمعصية لن يفرق معها أن تكون في مكة أو أمام البيت الحرام، فقلبك ميت، فكيف يطلب منه أن يشعر بالحياة؟!
أحي قلبك أولا، وأنت أدرى الناس كيف تحييه، ربما نرشدك لبعض الطاعات، لكن قد تفعل هذه الطاعات وتأتي في ذات الوقت السيئات، فابحث عن حل جذري لما أنت فيه، غير من نمط حياتك، انظر من أنت في الحياة وماذا تفعل؟
ابك لله، واطلب منه أن يهبك نفسك الضائعة، ولا تكن كمن قال الله فيهم {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}.
أخي.. أنت تحتاج إلى زلازل يهز كيانك، أو شيء ضخم يجعلك تفيق من غفلتك، ولابد أن يكون العلاج فيه شيء من القسوة على النفس.
أرأيت طبيبا يريد أن يقوم بعملية جراحية، فإذا به يتحسس على نزع ما يجب نزعه من جسد الإنسان؟ فكذلك أيضا في علاج النفس التي تشربت الكبائر، يجب لها عملية جراحية نفسية قاسية، وبدون هذه القسوة لن يكون علاج.
فاقس على نفسك، وانزع من قلبك ذلك الدافع الشهواني والشيطاني، حتى تعود سليم الجسد، ولا تحسبن تركك للنفس يجلب لك شفاء، بل الضرر كل الضرر في ترك المرض يستشري في جسدك، يكاد يفتك بك، وربما طلب منه ساعتها بتر أعضاء منه، أو يتوقف الإنسان عن الحياة، وساعتها يندم المرء يوم لا ينفع الندم.
وما أطلبه منك، هو ما يلي:
- أن تشغل نفسك بكثير الطاعة، فإن نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
- اقرأ في آثار الذنوب وأضرارها، وخاصة الزنا، من الناحية الإيمانية، ومن الناحية الطبية، لتعلم خطر ما تفعله من الكبائر كلها.
- عالج نفسك مرضا مرضا، وابذل جهدك في العلاج، فكلما عالجت نفسك من مرضها، ضعف المرض الآخر، فيسهل عليك علاجه.
- أمسك ورقة وقلما، واكتب المعاصي التي تأتيها، وضع جدولا زمنيا للعلاج.
- لا تنس أن ترفه عن نفسك بالمباح، فإن التشدد ربما يجعل المرء يفجر، وخير الأمور أواسطها.
- خذ نفسك بالعزيمة، ودعك الآن من الرخص، فإن تتبع الرخص يورث الذنب، ويجعل المرء يجترأ على المعصية.
- استشعر معاملتك مع الله، ولا تضع الناس نصب عينك، وعظم الله في قلبك، يرزقك تعظيمه في جوارحك.
- اصدق الله ؛ يصدقك، فمن صدق الله، أعانه الله، والله في عون العبد في أمور الدنيا، فكيف بعونه له في أمور الآخرة.
اقرأ قصص الصالحين وحالهم مع الذنوب، ليكونوا قدوة لك على طاعة الله والبعد عن معصيته .. وابدأ الآن بالتغيير.
- د. مسعود صبري