استشاراتتقوية الإيمان

صل رحمك وإن جاهداك

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هناك خصام بين والدي وبين بعض أقاربي من الرحم، فهل إذا وصلتهم دون علم والدي أكون عاقا لهما، علما بأني لو أعلمت والدي فسيغضبان علي؟ فأنا في حيرة، إذا قطعت الرحم كنت آثما، وإذا خالفت والدي كنت آثما، فماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.

 

  • الجوب:

الأخ الفاضل:

شكر الله تعالى لك حرصك على صلة رحمك، وعلى برك لوالديك، وهذا من شيم الصالحين إن شاء الله تعالى.

ولكن اسمح لي أن أقول: إننا دائما في تفكيرنا لا نتذكر ثقافة الجمع، يعني في كثير من أمور حياتنا نقول: إما كذا أو كذا، ولكنه من الممكن أن نجمع بين الأمرين، بين صلة الرحم وبين بر الوالدين، حتى لو كان الآباء يريدون  منعنا من صلة الرحم.

 

  • وهناك بعض الحقائق التي يجب أن تكون أساسا للتعامل في هذا الأمر:

  1. أن الشريعة حاكمة لنا جميعا بلا استثناء، آباء وأبناء، أقارب وأجانب، ونجد في كتاب ربنا قوله سبحانه وتعالى: {وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌۭ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًۭا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. وهذه آية تعتبر نصا قريبا في مسألتك، فأي أمر من الوالدين في معصية الله، فالواجب عصيانهما، واتباع أمر الله سبحانه وتعالى، لأن الذي سيحاسب العباد آباء وأبناء هو الله سبحانه وتعالى، فأنت عبد، ووالدك عبد، ووالدتك أمة لله، وكلنا جميعا سواسية أمام الله تعالى في الحساب، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.

  2. أن الاستسلام للخطأ أمر غير مقبول، وإن تغاضينا عنه وقتا لعلاجه، فهناك من الأمور الثابتة التي يجب أن نحافظ عليها، منها صلة الرحم، ولا يسمع لأي أحد في هذا أبدا، الأمر الآخر أننا نسعى مع الوالدين أن يعودا للحق والصواب، وكما حافظنا على أمر الله تعالى، نأخذ بأيديهم إلى هذا الحق، وهذا من واجبنا تجاه من نعرف ونحب، وإن كان الله تعالى أمرنا بالبر للوالدين، أليس من البر أن نأخذ بأيديهم إلى الله تعالى ؟ وأن نعيدهم إلى جادة الصواب ؟!! إن آباءنا وأمهاتنا ليسوا ملائكة تمشي على الأرض، إنما بشر،يصيبون ويخطئون،ونحن نقتدي بهم في الصواب، ونأخذه بأيديهم عند الخطأ، وهذا من باب إسداء النصح لهم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه: “الدين النصيحة؟ قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

  3. أن المناقشة والحوار المفتوح من أنجح الأساليب بين الناس، فكن صديقا لأبويك، وتناقش معهما، وصوب ما في كلامهما من صواب، والتمس العذر لهما فيما لا يعجبك، وترفق بهما، حتى تصل إلى إسداء الجميل لهم، وتعديل سلوكهما.

وأنقل لك ما قاله الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي من علماء الأزهر عن طاعة الوالدين، حيث يقول:

أولا: بر الوالدين والإحسان إليهما يلي حق الله تعالى بالوجوب والاستحقاق، كما أن عقوق الوالدين- والعياذ بالله- يأتي بعد الإشراك بالله في عظم الجرم وكبر الذنب قال تعالى {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰنًا} وجاء في سورة مريم مما أنطق الله تعالى به عيسى وهو ما يزل بعد في المهد صبيا {وَأَوْصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّۭا * وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَتِى}.
كما في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: “الصلاة على وقتها” قلت ثم أي ؟ قال: “بر الوالدين” يلاحظ في هذه النصوص بالنص على حق الله تعالى أولا وأعقبت ذلك بحق الوالدين.

ثانيا: من النصوص القطعية “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” ومنها أيضا “إنما الطاعة في معروف” ومنها ما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.

ثالثا: وعلى هذه النصوص فلا إثم عليك في صلة رحمك التي أمرك الله تعالى بوصلها بينما يأمرك الوالدن بقطيعتها.

رابعا: على أنه ينبغي أن تدرك جيدا أن اختلاف الرأي بينك وبين والديك لا يفسد للود قضية، ولا يسقط عنك ما أوجب الله عليك من الإحسان إليهما والبر بهما.

خامسا: رفعا للحرج عنك ودفعا للمشقة بوسعك أن تقوم بصلة رحمك وليس بالضرورة أن يكون ذلك بعلم والديك، كما أن لك أن تخلص النية في القيام بهذه الشعبة من شعب الإيمان وهي صلة الرحم إليهم، فلتستخف بصلتك لهؤلاء الأقارب عن سمع وبصر والديك ويكفيك علم الله بك، قال تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى  نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا۟ صَـٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلْأَوَّٰبِينَ غَفُورًۭا} الإسراء.

سادسا: إذا فتح الله عليك وألهمك بابا من أبواب الرشد تسعى به إلى التقريب بين والديك وبين أقاربك فتقرب بين التباعدين وتصلح بين المتفاسدين فتكون بذلك حققت شعبة ثالثة من شعب الإيمان وهي إصلاح ذات البين لقوله تعالى { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} نسأل الله لك السداد والرشاد.

ونسأل الله تعالى أن يصلح لكم الأحوال.

وتابعنا بأخبارك.

 

د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى