استشاراتتقوية الإيمان

أريد أن أتقرب إلى الله. فماذا أفعل؟

  • السؤال:
ماذا أفعل للتقرب الى الله عز وجل؟ و ما هي أحب الأعمال إلى الله؟

 

  • الجوب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة؛

جميل أن يستشعر الإنسان أنه بحاجة إلى التقرب إلى الله تعالى، لأن هذا التفكير، وما يتبعه من عمل هو استجابة لنداء الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

وفي الحقيقة أختي سؤالك من الأسئلة العامة، والتي أعتقد أننا في حاجة إلى تفتيت الأمر وتجزئته حتى يمكن لنا أن نصل إلى خطوات عملية، ويتبعها نتائج ملموسة، ومن هنا اسمحي لي أن تكون إجابتي عامة، وعليك أن تأخذي منها ما يناسب حالتك، وكما أن جزءا من الوصول للإجابة هو عليك أنت، فأنت أدرى بنفسك، وتعرفين نفسك جيدا، ما يمكن لك أن تفعلي أو تتركي، وما تحبين وما تكرهين.

وأفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى إتيان الفرائض واجتناب النواهي، وأحب ما يحبه الله تعالى من عبده الإكثار من النوافل بعد الفرائض، وكأن إجابتك ملخصة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام البخاري وغيره عن ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال: ‏ قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله قال ‏ ”‏من عادى لي وليا فقد ‏ ‏آذنته ‏ ‏بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته”.

ويخطئ كثير من الناس فيظن أن الواجبات هي الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولا شك أنها فرائض وواجبات، ولكنها ليست وحدها، فالله تعالى أمر بالأخلاق الفاضلة، وأمر بالابتعاد عن الأخلاق الرذيلة، وأمر بتوحيده وعدم الشرك به، وأمر بصلة الرحم، وأمر بالعمل بالقرآن، وأمر بالتقوى والإحسان، والأوامر كثيرة جدا في مجال العقيدة والأخلاق
والعبادات والسلوكيات، وكلها يجب أن يأتي المسلم الفرائض والواجبات فيها. وقد جاء في رواية للحديث: ابن آدم. إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك.

وهذه هي المنزلة الأولى التي يتساوى فيها الجميع، وهناك منزلة أعلى من هذه، وهي التي يتعامل فيها المسلم ليس بالواجب فحسب، ولكن بالحب والقرب، فيأتي من العبادات ما ليس مفروضا، ومن السلوكيات ما لم يوجب عليه، تقربا إلى ربه سبحانه وتعالى.

وما أحسن ما قاله الإمام القشيري أحد أقطاب الصوفية: قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه. ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق.

ومن واظب على الفرائض والنوافل نال محبة الله تعالى ومعيته، وهو المقصود كنت سمعه وبصره ويده ورجله كما في الحديث، وهو كما قال الإمام الخطابي: هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه و يعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.

  • ولو فكرنا بشيء عملي، اجلسي مع نفسك، وانظري أولا:

الذنوب التي تقعين فيها، فجاهدي نفسك بالابتعاد عنها، لأن هذه مثل الآفات تمنع الأرض من أن تؤتي ثمرها، والمقصود من ذلك أنها تمنع القلب من أن يشعر بحلاوة ما يأتي من الطاعة، لأنه أصبح قاسيا بالذنوب والمعاصي، فيجب علي الإنسان أن يخلي قلبه أولا، ثم يزرع فيها ما يحب من الزروع الطيبة من الصالحات.

ثم جاهدي نفسك بعمل ما يجب عليك من الواجبات، وما يمكن لك أن تقومين به من الأعمال غير الواجبة، وهذه مساحة مفتوحة للعبد بين ربه سبحانه وتعالى، فمن الناس من يميل إلى عبادة دون أخرى، ومن عمل صالح دون آخر، على ألا يحرم نفسه من الأعمال الصالحة كلها، قدر استطاعته، فإنها كالثمار والفواكه وسائر الأغذية لا يستقيم صحة الإنسان إلا بها، فكذلك هي لا يستقيم إيمان العبد إلا أن يأخذ من جميعا.

أختنا الفاضلة؛
جاءت إجابتنا عامة، لعموم سؤالك، ولكن نرجو أن يكون فيه شيء نافع لك. ولا تنسنا من صالح دعائك، وأهلا بك دوما

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى