استشاراتالشبهات

الجن والسحر وتعطيل الزواج

تسأل الاخت الكريمة عن الجن والسحر وتعطيل الزواج

  • السؤال:
في البداية أدعو الله أن يجزي كل من هو مسئول عن هذا الموقع خير الجزاء، وأن يجعل الخير العائد على المسلمين من هذا الموقع في ميزان حسناته إلى يوم الدين.

أما بعد فسؤالي يتعلق بموضوع يشغلني وهو هل يمكن أن يقوم إنسان بعمل سحر تعطيل زواج أو تعطيل رزق لشخص آخر؟ وهل فعلا يمكن للمارد أن يدخل لجسم الإنسان ويسيطر علية فيشعره بالكسل عندما يحين وقت الصلاة، ويرمي الخوف في قلب الخاطب الذي يسعى للزواج فيعطل الزيجة ويعطل الرزق؟ أنا أعلم أن الزواج والرزق بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن ما هو العلاج إذا كان هناك فعلا سحر بهذا الشكل؟ أفيدونا أفادكم الله.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الأخت الفاضلة،

أما عن موضوع الجن وقيامهم بتعطيل الزواج وبقطع الرزق، وغيرها مما ينسب بنو آدم إليهم، فاسمحي لي أن أقول: إن هذه المسألة أخذت حيزا كبيرا من حياة المسلمين، حتى أوصلت كثيرا ممن يشاركون في هذا الأمر إلى حد الشرك، بل والكفر في بعض الأحيان.

وحسب الظن أن علاج هذه المشكلة تكمن في العقيدة الصحيحة، وأن يرد الأمر إلى نصابه؛ فالله تعالى هو المتصرف الوحيد في هذا الكون، وأنه لا يحدث في كونه شيء إلا بعلمه، وأن المخلوقات جميعا لا تملك لنفسها شيئا؛ فالناس لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وقد قال الله تعالى على لسان رسوله {قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّۭا  وَلَا نَفْعًا}.

لا يستطيع أحد أن ينكر السحر، لأنه حقيقة أثبتها القرآن الكريم {إِنَّمَا صَنَعُوا۟ كَيْدُ سَـٰحِرٍۢ ۖ وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}، {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}، {وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍۢ}، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ  أَنَّهَا تَسْعَىٰ}، “وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتْلُوا۟ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُوا۟ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌۭ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِۦ ۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ}”.

غير أن كثيرا من الناس أوصلوا السحرة إلى درجة تقارب درجة الألوهية، ونسوا أن السحر قرين الكفر، وأنه لا يضر إنسانا إلا بإذن الله، وأن السحرة لا يملكون من الأمر شيئا، وأن الإنسان المسلم محفوظ بحفظ الله تعالى، كما قال سبحانه: {لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتٌۭ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ}.

وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام ما زال عليه حافظ من الله حتى يستيقظ.

ولكن الناس ألهوا أنفسهم بهذه الأمور، حتى فسروا ما يزيد على تسعين بالمائة من مشاكلهم على أنها نوع من السحر، وأن المرأة لا تتزوج، لأنها مسحورة، وأن الرجل لا يتزوج لأنه مسحور، وأن الإنسان لا يعمل لأنه مسحور، وأن الطالب رسب، لأنه مسحور، وأن الصفقات لا تتم لأن هناك سحرا، فجعلنا أنفسنا نعيش سحرا في سحر، وهذا نوع من الخبل والخلل في العقيدة؛ لأن المصرف للأمور إنما هو الله تعالى، وأن الملك الذي نعيش فيه إنما هو ملك الله، وأن الكل خلقه وعبيده.

إن كثيرا من الناس يلجأ لهذا التفسير السحري كنوع من الهروب من الواقع، أو لأنه يجد نفسا عاجزا عن تحقيق شيء فيوهم نفسه وغيره أنه مسحور، وأنه مغلوب على أمره، وهو بهذا يلغي قانون السببية الذي أقام الله تعالى كثيرا من أمور الكون عليه، وأن الله تعالى في قرآنه كان دائم الربط بين النتيجة والسبب، مع الإشارة أنه لا يخفى عليه شيء.

إن كثيرا من غير المسلمين يعيشون حياتهم كما يجب أن يعيش بنو آدم، يجعلون النجاح قرين الاجتهاد والعمل، ويجعلون الفشل قرين الفشل، وهم بهذا يطبقون عقيدة الإسلام دون أن يؤمنوا بها، ونحن نؤمن بها دون أن نطبقها.

لقد أتت الإجابة في السؤال، وهو أن الرزق والزواج من الله، وهذا كلام نقوله، ولكن يجب أن نؤمن به في نفوسنا، ولو كنا نعود لدستورنا وكلام ربنا، لما وقعنا فيما نقع فيه، إن الله تعالى قال: {أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُۥ ۚ بَل لَّجُّوا۟ فِى عُتُوٍّۢ وَنُفُورٍ}. وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍۢ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ}.

 

  • إن أفضل علاج لمثل هذه الأمور هو:

1- تصحيح العقيدة، وسلامة الإيمان، من أن المدبر للكون إنما هو اللــــه، وليس خلقا من خلقه.

2- أن نخرج أنفسنا من هذا الــــــوهم، وأن نعيش حياتنا كما يعيش غيرنا، فلماذا نعيش دائما في تعاسة ونكد وهم وحزن، والناس تتسابق أن تعيش حياتها سعيدة، وهي تفعل دورها في الحياة لتسعد أنفسها، ومع كوننا عندنا ما يسعدنا في حياتنا وآخرتنا، ولكن نرقع دنيانا بتمزيق ديننا، فلا الدين يبقى ولا ما نرقع.

3- أن نكون إيجابيين في حياة، وأن نواجه مشاكلنا، فمن هذا الذي ليس عنده مشاكل، إن أي سلوك بشري يعتريه ضعف، كما يكون فيه القوة، وهذه طبيعة الحياة، وليس فشل زواج، أو رسوب في الدراسة نهاية العالم، ولكن يجب أن نواجه هذا بالاستعانة بالله، وبالتفكير الجيد، والتخطيط للمستقبل، وكيف نتغلب على هذا فيما بعد.

4-أن نحسن صلتنا بالله تعالى، فكم من الأمور العسيرة تيسرت بأمره، وكم من الهموم زالت بدعاء له، وكم من الأحزان قلبت فرحا حين تعلقنا به، فالإيمان يجعل المسلم كالجبل الراسخ، والنخلة الباسقة، والشجر الطيب، لا أن يكون خفيفا تهوي به الريح في مكان سحيق.

5-أن نفهم توحيد الله على الوجه الصحيح، وأن نفهمه غيرنا، وأن نحارب معا هذا الخلل العقدي، والجهل الفكري، لأننا في سفينة واحدة، إن سكت بعضنا عن هذا الخلل، نكاد نغرق جميعا، وإن أخذنا بأيدنا نجونا جميعا .

6- إن كان هناك سحر، فليس له علاج أنجع من التذلل على عتبات الله، والتزام الخوف من الله لا من الجن ولا غيره، والإيمان أن خلق الله ضعيف، وأن القوة لله جميعا، وأن تعمير القلب بالإيمان يجعله حصنا منيعا لا يكاد يقربه شيء يهدده، وأنه ما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه .

أختي الفاضلة، فلنعد إلى الله تعالى، ولنأخذ بالأسباب، ولنصلح ما بيننا وبين ربنا، يصلح الله تعالى لنا كل شيء. ونتمنى أن تتابعينا بأخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

للمزيد عن الجن والسحر وتعطيل الزواج اقرأ أيضا

رعب المرض من السحر

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى