استشاراتالشبهات

ذنوب.. ووسوسة ..وشك في القدر

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أريد أن أروي لكم قصتي عسى أن أجد عندكم حلا لمشكلتي الكبيرة جدًا.. أنا شاب مصري أعمل الآن بالسعودية. قبل أن آتي إلى هنا كنت أرتكب كثيرا من المعاصي المتعلقة بالشباب غير المتزوج من مصاحبة الفتيات والسعي للتعرف على المزيد وارتكاب مخلفات معهم، ولكن لم تتعد الاستمتاع بالمرأة الأجنبية وغير ذلك مثل التدخين أحيانا وعدم الالتزام التام بالصلوات مع أن الأصل في الأمر أني كنت أصلي وعائلتي عائلة ملتزمة وقد ستر الله علي معاصي كثيرة فنظرة الآخرين إلي نظرة طيبة.. ثم جاء لي عقد في السعودية فجأة بعد أن خطبت بفترة و بكيت وأنا أودع أهلي وذلك لخوفي من ركوب الطائرة بعد هذه المعاصي، و ظللت أقرأ القرآن في الطائرة أول أيامي في السعودية، ثم لم تختلف أيامي في السعودية عن أيامي في مصر حيث الاتصال بالبنات على الإنترنت والهاتف وهناك دش ريسيفر في السكن. حتى في رمضان لم يختلف الحال كثيراً إلا بعد أن ذهبت لأداء العمرة في 28 رمضان وصليت وبكيت ثم عدت. قلت المعاصي بدرجة كبيرة حتى أصبحت معدودة. وبدأت أتذكر ذنوب الماضي وأندم وأخاف وأعاهد الله على عدم العودة. ثم ذهبت إلى الحج وأديته والحمد لله وفي آخر أيام الحج بدأت عندي وساوس في العقيدة وزادت بعد العودة لأني كنت بمفردي بدأت بشبهات يجلبها الشيطان لي.

ودخلت على مواقع إسلامية لكي أحاج ما يلقيه الشيطان في نفسي من حيل وأفكار مثل “الأدلة المادية على وجود الله سبحانه و تعالى” وغير ذلك وتعلمت حجج الإيمان. و لكن بدأ الشيطان يجعلني أسال “ليه” عن كل شيء ثم في ليلة ما بدأ الشيطان يجلب في ذهني ألفاظ شنعية في ذات الله عز وجل (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) وأحيانا في شخص النبي صلى الله علية وسلم وأحيانا في آيات القرآن. عندما أدعو الله في كل مرة أشعر أنني بحاجة إلى استدعاء كل حجج الإيمان لأشعر بالإخلاص في الدعاء كل ما أرى آية من آيات الله في الكون أخاف جداً وأقول لنفسي ماذا أقول لسؤال الملكين وكيف أقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وقد مرت في نفسي هذه الألفاظ الشنيعة وأخاف من سوء الخاتمة وأن تداهمني هذه الوساوس عند الموت..

هل أنا مصاب بمرض الوسواس القهري أم أن الشيطان لعب علي لعبة كبيرة وأنا سقطت فيها فأحذ الفرصة وتمادى؟؟؟ مع العلم أني أصبحت مواظبا على جميع الصلوات(مع وسوسة الشيطان في الصلاة ولكن أجاهده) وتقريبا انتهيت من حفظ سورة البقرة وبدأت أعمل بعض الأعمال لوجه الله تعالى مثل العودة إلى الله عن طريق الإيميل وقد قطعت صلتي بالبنات واكتفيت بخطيبتي وتعلمت غض البصر وأقلعت عن معاصي الشباب.. ما هو العلاج للخروج من هذه الحالة وهل الدعاء يغير المكتوب إذا كان أحد مكتوب له سوء الخاتمة و العياذ بالله. وجزاكم الله خيراً 

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل:
الحمد لله تعالى الذي هداك إلى طريقه، ورزقك العمل الصالح.

وقد احتوى سؤالك على أكثر من شيء:

الأول: الذنوب والمعاصي والتوبة منها.
الثاني: الوسوسة في العقيدة.
الثالث: القدر والختام بسوء الخاتمة، وهل هي جبر أم اختيار.

 

  • أما عن الأول: الذنوب والمعاصي والتوبة منها:

فقد ذكرت أنك كنت عاصيا، وقد تاب الله تعالى عليك، ومن صدق التوبة مع الله تعالى أن يتغير حال الإنسان، من الشر إلى الخير، ومن العمل السيئ إلى العمل الصالح، وأن يكثر الإنسان من أعماله الصالحة، وقد قال العلماء: من علامة قبول التوبة أن يتبع العبد العمل الصالح عملا صالحا بعده، فيكون في عمل صالح دائما، ومن علامات الغفلة أن يتبع الإنسان العمل السيئ عملا سيئا مثله.

وأنت تذكر أنك على خير الآن، وأنك تقوم ببعض الأعمال الصالحة، فاحمد الله تعالى على هذا، وأكثر منه، واجعل لك رفقة صالحة تعينك على أمر دينك، وتأخذ بيدك إلى طريق الله تعالى، وقد قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام: {وَٱجْعَل لِّى وَزِيرًۭا مِّنْ أَهْلِى * هَـٰرُونَ أَخِى * ٱشْدُدْ بِهِۦٓ أَزْرِى * وَأَشْرِكْهُ فِىٓ أَمْرِى * كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًۭا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًۭا}.

واسع قدر الإمكان أن تبعد نفسك عن الجو الذي يجعلها في وسوسة، من كثرة العزلة، أو رفقة السوء، فإنه لما أراد الذي قتل مائة نفس أن يتوب، دله العالم أن يبحث عن أرض غيرها، ودله على أناس صالحين.

ولا تنس أن تربط نفسك بالمسجد، فإنه خير مشفى لأمراض القلوب، ففيه تكون في كنف الرحمن، ويبعد عنك الشيطان، ولا تجد فيه إلا الراحة والسكينة، وهو علاج لكثير من الأمراض النفسية والاضطرابات وغيرها، فيكون المسلم في بيت الله محفوفا بالملائكة تدعو له الله تعالى بصالح الدعاء من الحفظ والمغفرة والرحمة وغير ذلك.

وعليك أن تكثر من قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور، كما عبر بذلك الله تعالى، وكم من الأسئلة التي تحير الإنسان يجد إجابتها في كتابه سبحانه وتعالى، ويحكى أن فتاة شكت في وجود الله تعالى، وشكت في صحة القرآن، فدخلت حجرة أمها، فوجدت المصحف فأمسكته، وفتحته، فإذا هي تفتح على قوله تعالى: {فإن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (هود: 94-95). فكان الرد من القرآن شافيا لما في صدرها وقلبها.

 

  • الثاني: الوسوسة في العقيدة:

أما فيما يخص الوسوسة في العقيدة، فهي من أهم أعمال الشيطان، لأنه بهذا يريد أن يخرج المسلم عن عقيدة التوحيد، وليس هناك علاج للوسوسة أفضل من ترك الوسوسة، وأن يسير الإنسان بخلاف ما يوسوس له، وأن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يعلم المسلم أن كيد الشيطان ضعيف، كما قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفًا}، وقد أحسنت صنعا إذ قرأت في وجود الله تعالى، فربما كان هذا تثبيتا لك على الحق والإيمان، ولكن على الإنسان ألا يستسلم لوساوس الشيطان، وأن ينظر حوله، فسيجد كل ما حوله ينطق بوحدانية الله تعالى، وقدرته وجلاله وعظمته، وحين ينكر الإنسان الشمس التي يراها كل الناس، فهو إنسان أعمى، وإنكار ذات الله أعمى العمى، كيف وكلنا منه وإليه، وما نحن إلا جزء يسير من خلقه: {لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ}، وما نحن إلا ذرة في فلاة، أو قطرة من ماء بحر.

 

  • الثالث: القدر والختام بسوء الخاتمة، وهل هي جبر أم اختيار؟

أما فيما يخص القدر، فإن الله تعالى لم يجبر أحدا أن يجعل هذا من أهل الجنة، وهذا من أهل النار، فالله تعالى لا يحابي أحدا على حساب أحد، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًۭا} {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ}، وقد قال الله في الحديث القدسي “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا”.

وقد ربط الله تعالى مصير الإنسان بعمله في عشرات الآيات من القرآن الكريم {مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا}، {مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةًۭ طَيِّبَةًۭ ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ}.

وغيرها من الآيات الكثيرة التي تربط مصير الإنسان بعمله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “اعملوا، فإن كلا ميسر لما خلق له”، فأمرهم بالعمل، وقد كلف الله تعالى الناس بطاعته ونهاهم عن اجتناب معاصيه، وجعل الجنة لمن أطاعه، والنار من عصاه، والإنسان هو الذي يطيع، وهو الذي يعصي، وعلى أساس هذا يجد الإنسان كتابه {ٱقْرَأْ كِتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًۭا}.
فلا تظن في نفسك أن الله تعالى أجبرك على أن تكفر به، أو تشرك به، كلا كلا، إن الله تعالى أرحم بعباده من عباده، وهو القائل: {مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ  شَاكِرًا عَلِيمًۭا}.

فابتعد عن وساوس الشيطان، واملأ حياتك بالطاعة والحياة والإيمان، وعش كما يعيش ملايين الناس مؤمنين بالله تعالى، يعيشون دنياهم مزرعة لآخرتهم، لينعموا بما رزقهم الله تعالى في الدنيا، ثم ينعمون بما يهبهم الله تعالى من نعيمه في الآخرة.

ولا بأس من مراجعة الطبيب النفسي، لعلاج هذه الوسوسة، مع الدعاء الدائم أن يرفع الله تعالى عنك هذا البلاء، واجتهد أن تنجح فيه، لتفوز برضوان الله تعالى، واعلم أن الله تعالى لا يبتلي أحدا إلا وهو يعلم أنه قادر على أن ينجح في ابتلائه {لَا يُكَلِّفُ  ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} و{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا}.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى