استشاراتالشبهات

التعصب في حب كرة القدم

  • السؤال:
أحب كرة القدم حبا شديدا. ولكن أود أن أسأل حضرتك عن التعصب الذي نجده بين مشجعي الأندية، فهناك مشاحنات كثيرة تحدث بسبب كرة القدم. فكيف يكون المسلم منتميا لشيء ويحبه ولا يفرط في التحيز له وإثارة الضغائن بسببه؟

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل:

أشكرك على هذه الروح الرياضية، كما يقول أهل الرياضة، وحين نوصف الواقع في المشجعين لكرة القدم خاصة نجد ظاهرة التطرف واضحة، وهذه ظاهرة سلوكية اجتماعية لها امتداد كبير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فالتطرف في العاطفة، والتطرف في السلوكِ، ونحن بحاجة إلى ثقافة الوسط التي جاء بها الإسلام، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا}، وفي الأثر: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما، وأبغض بغيضك هونا، عسى أن يكون حبيبك يوما ما). وكثيرا ما يدعو الإسلام إلى الاعتدال، الاعتدال في الطعام والشراب، والاعتدال في السلوك، والاعتدال في العاطفة.

وفي تشجيع الرياضة نجد أصولا شرعية، فمشاهدة السيدة عائشة وهي أم المؤمنين في محضر من الرسول صلى الله عليه وسلم للأحباش حتى يتركها النبي صلى الله عليه وسلم لحين تطلب السيدة عائشة الاكتفاء بهذا القدر من المشاهدة، ومازال الأحباش يلعبون بالحربة، بل كان الناس يشاهدون بعض المسابقات الرياضية المشروعة كالخيل والرمي بالسهام وغيرهما، غير أن ضابط الأخلاق الذي ربى الإسلام الناس عليه جعل سلوكهم معتدلا في كل شيء، ولهذا فإن منظومة الأخلاق في الإسلام قائمة على الاعتدال، ونلحظ هذا في القرآن الكريم: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًۭا مَّحْسُورًا}، وغير ذلك من الآيات والأحاديث.

 

ولكي يصل الإنسان إلى الاعتدال في التشجيع والمشاهدة، وذلك بما يلي:

  • أن يدرك الإنسان الهدف من المشاهدة، فهو مجرد تسلية وترويح عن النفس.

  • أن التعصب في التشجيع يسوق إلى الحرام، من السب والشتم وغير ذلك مما هو منهي عنه.

  • أن فوز الفرق لا يترتب عليه كسب للإنسان، إنما هي حالة من العشوائية التي تسود في المجتمع، فتقطع الأوصال والروابط، وتجعل الناس أحزابا متفرقين.

  • أن المشاهدة فيها نوع من الإنفاق المنهي عنه شرعا في بعض الأحايين.

  • أن التعصب يشغل المسلم عن أشياء هي غاية في الأهمية في حياته، على المستوى الفردي والجماعي.

  • أن يجاهد المشاهد نفسه في أن يكون حليما، وكما ورد في الأثر: “إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر”.

  • أن تسود ثقافة النصح بين الناس، فمن رأى أخاه متعصبا، فلينصحه، اعتمادا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

  • أن التعصب يعود بالضرر على نفسية الإنسان، مما يولد تعصبا ليس في التشجيع فحسب، ولكن في كثير من الممارسة اليومية في الحياة.

  • أنه يمكن التخلي عن المشاهدة في بعض الأحيان، حتى لا تكون هناك ديمومة عليها بشكل تجعل الإنسان أسيرا لشهوة مهما كان لونها، وقطع القلب على الانشغال بالمحبوب، يعين على التخلص ما يسعى الإنسان للتخلص منه.

  • أن يعيد الإنسان ترتيب أولوياته، وأن يمارس بعض المشاهدات المباحة الأخرى، حتى لا يكون التشجيع الرياضي وحده هو الشغل الشاغل، فبقدر اهتمامات الإنسان تتوزع أوقاته، مع الاهتمام بالضرورات والحاجات والممارسات الأساسية.

  • وقد ينفق الإنسان في المشاهدة وقتا يفعل فيه بعض الأشياء الأخرى، وألا يخصص لها وقتا معينا لها.

  • أن يسعى الإنسان للممارسة العملية، حتى يستفيد الجسم من تلك الممارسة، من عون للدورة الدموية أن تعمل بشكل منتظم، وأن يساعد الجهاز الهضمي على العمل بصورة أحسن، وكذلك الجهاز التنفسي وغيرها من فوائد ممارسة الرياضة، بعدا من الانشغال الزائد عن “البحلقة” أما التلفاز أو في “الاستاد”.

أن يكثر من الدعاء أن يوفقه الله تعالى لما يريد، ومن ذلك أيضا صلاة ركعتي حاجة أن يمن الله تعالى عليه بأن تكون نفسه أسيرة لديه، لا أن يكون أسير نفسه وهواه.

د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى