استشاراتالشبهات

آية الضرب في القرآن

  • السؤال:
السلام عليكم. 
في إطار مشاركتي في إلقاء محاضرات حول الإسلام أجد مشكلة لتفسير آية 43 من سورة النساء و خاصة “واضربوهن”
شكرا.

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة،
أشكرك على طرح هذا السؤال..

إن من أهم صفات الدعاة التي نحتاجها دائما بشكل عام، واليوم خصوصا ونحن نقابل هذه الإشكاليات العديدة والشبهات الكثيرة الذكاء، فعلى الداعية أن يكون إنسانا ذكيا، لا ينزل إلى مستنقع يستدرج فيه، بل من الفطنة أن يمتلك هو خيوط الحوار بمهارة عالية..

وكثيرا ما يجر الدعاة لشبهة “ضرب المرأة “، والحديث عن هذا يجب أن يكون في منظومة متكاملة، لا أن تنزع من سياقها العام.

وأهمها: طبيعة العلاقة الزوجية في الإسلام، وهي مبنية على الحب والمودة، بل يخبر القرآن أن أقل درجة من درجات التعامل هي الرحمة، كما قال تعالى: {وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًۭا لِّتَسْكُنُوٓا۟ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةًۭ وَرَحْمَةً}. فهذا هو أساس التعامل، وفي السنة: “ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم”.

و يمكن الرجوع إلى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته، فهي خير شاهد لطبيعة العلاقة بين الزوجين.

 

  • أما قضية ضرب المرأة،

فإنه يجب علينا أن ندرك أبعادها، وهي أن الضرب هذا لا يكون إلا في حالة النشوز، وهي حالة تجعل الأسرة تنهدم، فبعد الوعظ والتذكير بالله تصر المرأة على النشوز، فيترك الزوج مضاجعتها مع كونه يبيت معها في سريرها، ولكنها تصر على النشوز، فيجيء الضرب غير المبرح الذي لا يعتبر ضربا في واقع الأمر كما هو الحال الآن، فالضرب كما أشار ابن عباس: بالسواك ونحوه، فهل يعتبر هذا ضربا في عصرنا؟ إنه تأديب لا تعزير، وإشعار للمرأة أنها إن تعنفت ونشزت، فإن للزوج أن يعبر عن رفضه لهذا النشوز، وأن يسعى للحافظ على البيت من باب التأديب، ولهذا جاء النهي عن ضرب الوجه أو كسر العظم، بل يكون ضربا خفيفا لا يؤثر على جسد المرأة بأية حال من الأحوال.

وأنقل إليك مختصرا ومختارا ما قاله الإمامان القرطبي وابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}:  

أي والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه المبغضة له فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال

وقوله {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره. ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها.

فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشق عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها; فيتبين أن النشوز من قبلها.

كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع “واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف.”

كذا قال ابن عباس وغير واحد ضربا غير مبرح قال الحسن البصري يعني غير مؤثر قال الفقهاء هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا.

بل تحكي لنا السنة النبوية قصة الضرب فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تضربوا إماء الله” فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئرت النساء على أزواجهن فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم ” رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

بل ينقل عن الفقهاء قولهم هذا ولم نقف على قول للفقهاء بوجوب التأديب على الزوج، بل يفهم من عباراتهم أن الترك أولى.

جاء في الأم للإمام الشافعي: في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء، ثم إذنه في ضربهن، وقوله: {لن يضرب خياركم} يشبه أن يكون عليه الصلاة والسلام نهى عنه على اختيار النهي، وأذن فيه بأن أباح لهم الضرب في الحق، واختار لهم ألا يضربوا، لقوله: {لن يضرب خياركم}.

 

  • وفي ضوابط هذه الحالة الاستثنائية ذكر العلماء ما يلي:

• أن يتجنب الوجه والأماكن التي تتأذى من الضرب.
• أن لا يكون بقصد التشفي والانتقام أو من دون سبب.
• لا يجوز أن يستعمل فيه عصا أو أداة جارحة أو مؤذية.
• لا يجوز أن يقدم عليه الرجل وهو في حالة غضب لأنه مدعاة للبطش.
• لا يجوز أن يلجأ إلى الضرب قبل القيام بالوعظ والدعوة إلى التفاهم والقول بالحسنى ثم الهجر.
• لا يجوز إيقاع الضرب أمام الأطفال أو غير الزوجين لأنه عندئذ يصبح إهانة وتشهيراً.
• لا يجوز أن يقترن بألفاظ السب أو الشتم أو التقبيح، فهذه جريمة ولا تعد من التأديب.

وعلى كل، فإن ضربا بالسواك لا يعد ضربا على وجه الحقيقة في الواقع، وهو سعي للحفاظ على كيان الأسرة بعد نشوز الزوجة، وبعد السعي لنصحها وهجرها في المضجع، فأين هذا مما يفعله الغربيون مع زوجاتهم من الضرب الذي قد يصل إلى حد القتل، ويمكن لهم الرجوع إلى الإحصائيات عن الضرب بين الأزواج حتى يعرفوا أي عقيدة أصون وأحفظ على المرأة.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى