استشاراتالشبهات

شبهات في الإيمان

  • السؤال:
أنا شاب مسلم وملتزم بتعاليم ديني لكن يستوقفني قضية إيمانية لم أستطع إيجاد ردود عقليه لها لا بالتفكير أو بالسؤال وذلك بالطبع لأولي العلم من رجال الأزهر اللذين أعرفهم.

أنا مؤمن عقلا وقلبا بوجود الله أما الديانات والغرض من خلق الناس ووجوب العبادة. فيستوقفني الآتي:

في بقاع كثيرة من العالم وعلى مر الزمان يولد أشخاص ويعيشون ويموتون ولا يسمعون شيئا عن أي دين سماوي وإن سمعوا فيكون سماعا عابرا في كثير من الأحيان.

ولو تخيلنا أنه جاء ذكر دين ما أمام هذا الإنسان. فالقليل من الناس من يتدبر. لكن العامل والفلاح والزوجة وأي إنسان عادي ذو القدرات العقلية العادية قد لا يولي السماع أي اهتمام. بل وقد يهاجم الدين لمجرد اختلافه عما هو عليه.

المشكلة الأكبر أن عدد هؤلاء الناس ليس بالهين. إنهم يشكلون غالبية البشر. وأستطيع أن أثبت ذلك بالكثير من الأدلة العقلية.

مثال بسيط: الآن في الصين أكثر من مليار وعلى مر الزمان منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام لم يذكر في تاريخ الصين وجود أي نبي أو التبشير بدعوة أي نبي. أنا متأكد أن 90 بالمائة من هذه المليارات لم تسمع في حياتها كلها عن الدين إلا كما نسمع نحن عن عبادة البقر في الهند.

وبالطبع ما يتم سماعة لا يقارن بأي حال بمن تم دعوته. أو ولد على دين. أو رأى نبيا وحضر معجزاته.

هذا التناقض يحيرني. أليس الغرض من خلقنا العبادة كيف يكون ذلك وأكثر من 90 في المائة من البشر لم يتم دعوتهم.

هل كل هؤلاء سوف يعاملون كما البهائم التي لا عقل لها وبالتالي لا حساب ولا جنة ولا نار.

كيف بعد هذا الوضع أقتنع بضرورة الالتزام بدين. وكيف أقتنع بسبب خلق الله للناس. وعدل الله في تذكير البشر.

لقد ولدت مسلما ولم أبذل أي مجهود في ذلك. وقد أعملت عقلي وعرفت أن الله موجود. وأعملت عقلي أكثر وعرفت أن النظام الإسلامي متفوق في كل المجالات.

لكن هذه القضية تشكك في كون الدين رسالة من الله. وأعود ثانية أتذكر المعجزات والغيبيات وهي مقنعة لي. ولهذا فأنا ملتزم بديني لأني أخاف أن يكون هناك عقاب.

بالله عليكم ما هو الجواب الشافي. أريد أن أكون مؤمنا حقا. والمشكلة أن عقلي لا يستطيع إيجاد أي إجابة شافية. 

توضيح المطلوب:
===========
ما هي الحكمة من أن 90 بالمائة من البشرية على اختلاف المكان والزمان لم تصلها رسالة التوحيد. مع العلم أن هذا يتعارض مع المبادئ التالية:

1. (السبب من الخلق هو العبادة) و 90 بالمائة من البشر لا يعبدون الله والسبب في ذلك عدم تبليغهم بالدعوة.

2. (وإن من أمة إلا خلا فيه نذير) و 90 بالمائة من البشر لم يبلغون بالدعوة (مثال الصين على مدار ألفي عام لم يذكر تاريخهم وجود نبي – حتى لو كان هناك نبي فهم بالتأكيد لا يعلمون أي شيء عنه).

3. (العدل بين الناس) ويتضح من التصور السابق أن المؤمنون المولدون على الإيمان أو المبلغون هم أكثر الناس حظا أما البقية ( 90 بالمائة من البشر) فهم ذو حظ قليل جدا جدا.

المشكلة الكبرى أن 90 بالمائة رقم ضخم جدا ولا يمكن إنكاره ويستوقفني بشدة

 

 

  • الجواب:

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. اللهم سدد وعلمني وفهمني كما فهمت سليمان.

أخي الحبيب:
دعنا ننظر سويا إلى سؤالين من زاويتين:
الأول: هو ذلك الشعور الغالب المسيطر.
الثاني: المعلومات الواردة والتساؤلات الموجودة بسؤالك.

 

  • أما عن الشعور:

فإني أحمد إليك حبك وغيرتك على الإسلام، وأنك تقدر نعمة الله تعالى التي أهداها لك، دون كثير من خلقه، فهذا يستوجب كثرة الشكر والحمد لله رب العالمين، وأن نقول كما علمنا القرآن الكريم: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ هُوَ خَيْرٌۭ  مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

وكما سعدت بأن أفضت بما في نفسك، وأحسب أن هذا من ملامح الإسلام، أنه لا يحكر على عقل، ولا يقف حائلا دون سؤال، بل كان من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلم أصحابه عن طريق السؤال، ويحثهم عليه إن كان فيه نفع لهم، أو دفع ضر عنهم، وورد عنه قوله صلى الله عليه وسلم: “ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما داء العي السؤال”.
فلنا أن نسأل عن أي شيء في ديننا، وأن نبحث عن أهل الذكر، كما قال تعالى {فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

ولكني أحب حين يشغل المرء بشيء ألا يجعل المعلومات مجرد خواطر، وألا يذكر أشياء تزيد عن نسبتها الحقيقية بمراحل عديدة، وقد يكون هناك تفسير علمي من الناحية النفسية لهذا، إذ حين يشغل المرء بشيء، فهو غالبا يريد أن يقنع الآخرين بفكرته، وقد يكون فيها بعض الصواب، ولكنه يبالغ فيما يذكره، وخاصة في مقام الإحصائيات.

  • وقد ذكرت في رسالتك أن 90% من سكان الصين، ثم ذكرت أن 90% من سكان العالم لا يعرفون شيئا عن الإسلام.

وقد راجعت بعض التقارير التي تتحدث عن سكان العالم، فوجدتها في الوقت الراهن حسب تقارير الأمم المتحدة مما نقلته إذاعة إلـ بي بي سي أنها 6.5 مليارات نسمة، وأن عدد المسلمين يقارب المليار والثلث، بل تشير إحصائيات أخرى أن نسبة المسلمين تتزايد في الأعوام الماضية والتالية بالنسبة للمسيحيين فيما ذكرته مجلة النبأ في عددها 61، وهذا يعني أن النسبة التي ذكرتها من أن 90% من سكان الكرة الأرضية لا يعرفون شيئا عن الإسلام هو محل نظر، لأن المليار والثلث، والذي يقارب على المليار والنصف يعتنقون الإسلام فعلا.

  • أما عن أن نسبة طائلة من البشر لم تسمع عن الإسلام،

فأحسب أن فيها مزايدات أيضا، نعم هناك من البشر من لم يسمع عن الإسلام، وهو الذين يسكنون في المناطق النائية عن العمران، وليس معي في هذا إحصاء دقيق حتى أذكره، ولكني أشكك في أن الكثرة لا تسمع عن الإسلام، بل القلة، ويمكن لنا أن نأخذ بعض المؤشرات التي تدل على هذا، من انتشار مواقع الإنترنت بلغات عدة، ومنها الفضائيات، ومنها الطفرة الهائلة في الطباعة من الكتب والمجلات والجرائد، وفي ظل ثورة الاتصالات أضحى السماع بالإسلام أمرا منتشرا، بل – في ظني – أن حملات الإرهاب الدولي التي تقودها أمريكا وإسرائيل وغيرهما خدمت انتشار الإسلام والسماع عنه، وتشير الإحصائيات أن الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر أقبل على شراء المصحف بشكل كبير، وعلى شراء الكتب التي تتحدث عن الإسلام.

ومن ذلك أيضا انتشار الجاليات والأقليات المسلمة في غالب سكان العالم، وتعايشهم معهم في المؤسسات الحكومية وفي الممارسات اليومية وغيرها من الأنشطة التي يحتك غير المسلمين فيها بالمسلمين، مع وجود مشكلة الذوبان بنسبة غير قليلة، لكن هذا لا يعني الانسلاخ الكامل عن الإسلام، وأن هناك من يمثل بحق الإسلام كسفير له في البلاد التي لا تدين رسميا بالإسلام.

كما أن الاهتمام العالمي بالإسلام أضحى يتزايد بشكل كبير، بل خصصت بعض الدول برامج عن الإسلام في التلفزيون الرسمي، وسمح بخروج مذيعات محجبات في دول غربية، وقد تكون ممنوعة في دول الإسلام ذاتها وغيرها من وسائل التبليغ.

تبقى النقطة الأخرى في التبليغ أن هناك دعوة مشوهة لكثير من غير المسلمين من خلال ما يقوم به بعض المستشرقين المستأجرين سواء من حكوماتهم أو من بعض المؤسسات التي لها علاقة بالأديان الأخرى، ولا يعني بالطبع أن كل المستشرقين من هذا النوع، ولكنه نوع موجود وبكثرة في عالم الاستشراق.

ما عما ذكرته من الصين، فإن الإسلام دخل الصين منذ أكثر من 1300 سنة من الزمن، فقد كان في القرن السابع الميلادي، وهو ما يقابل القرن الأول الهجري، وتفيدنا المصادر الصينية أن أول مندوب مبعوث من الخليفة عثمان بن عفان وصل إلى تشانغآن في أغسطس عام 651. وقابل الإمبراطورَ الصيني قاو تسونغ لأسرة تانغ الملكية وعرفه بأحوال بلده والشريعة الإسلامية.

وقد رأى المؤرخون الصينيون أن الإسلام قد دخل إلى الصين مع وصول رسول الصداقة هذا. حسب ما هو مذكور في إذاعة الصين الدولية، وهذا يعني أن المسلمين تنبهوا للصين مع صعوبة الحياة من التواصل والاتصال. بل يحكي التاريخ أن قواد المسلمين جابوا الأرض شرقا وغربا ووقفوا عن الحدود، ولو كانوا يمتلكون من وسائل المواصلات لكانوا أكثر بذلا، بل لم تمنعهم الحواجز الطبيعة، حتى إنهم خاضوا البحر بخيولهم،تبليغا لكلمة الله.

أما الزعم بأن هناك من البشر من لم يرسل الله تعالى لهم رسلا من الناس، فغير مسلم به، وذلك بصريح القرآن الكريم: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌۭ}.

قال ابن القيم – رحمه الله -: ما من أُمَّة إِلا قد جاءها رسول. وإن قيل: فأين رسل الله إلى الصين؟ نقول كما قال تعالى: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، فليس كل أنبياء الله إلى البشر معروفون، وقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أرسل أربعا وعشرين ألف نبي، وهذا يعني أن الله تعالى قد أرسل إلى كل أمة رسولا منهم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}. لأن الله تعالى وهو الذي يحاسب العباد، جعل الحساب مشروطا بإرسال الرسل، وقد أرسلهم، كما قال تعالى: {منِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}،
وكما قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}.

وبعث الرسول إلى القوم كان بنوع من الخصوصية في الرسالة قبل محمد صلى الله عليه وسلم، يعني أن الله أرسل لكل قوما رسولا، أما بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وواجب التبليغ على أمته من بعده إلى أن يقوم الناس برب العالمين.

فنحن نوقن ونقطع بأن كل أمة من الأمم قد أرسل الله تعالى إليها رسولا، عرفناه أم لم نعرفه، مسطور في كتب التاريخ أم ليس مسطورا، لأن هذا من عدل الله وحكمته: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، أما العلم بهم أولا فلا، فهذا لله، كما قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}.

  • أما أن الحكمة من الخلق وهي العبادة وأكثر الناس لا يعبدون،

فهذا لا يسأل عنه الله سبحانه وتعالى، {لَا يُسْـَٔلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـَٔلُونَ}، ولكن البشر هم الذين يسألون عن هذا، فإن الله تعالى أمرنا بالإيمان به وبطاعته، وأرسل الرسل لهم يبينون الحق من الباطل، والصدق من الكذب، ثم بعد ذلك ترك الله للناس أن تؤمن أو لا تؤمن، فإنه كما قال تعالى “لا إكراه في الدين”، ولكنهم سيحاسبون بعد ذلك عن اختيارهم.

  • أما خلق بعض الناس مؤمنين وبعضهم غير مؤمنين،

فهذا من مقام الفضل لا مقام العدل، فالعدل أن الله تعالى يرسل الرسل للناس، ويبين لهم، والفضل أن يهيئ الله تعالى لبعض خلقه الإيمان، وهذا شيء مقبول، فإن الناس بين مؤمن وكافر، فمن الطبيعي أن يولد أبناء المؤمنين مؤمنين، ومع هذه النعمة، فإن هناك عقوبة لمن ارتد عن الإسلام، اختلف حولها الفقهاء من إقامة حد الردة وهي القتل، أو الاستتابة والتعزير كما ذهب إليه عمر بن الخطاب.

وغير أبناء المؤمنين يولدون مؤمنين، فالكل يولد مؤمنا، وهو غير محاسب حتى سن البلوغ، فبعد أن يعقل يختار لنفسه، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه”، ولهذا لابد من التعميد في عقيدة النصارى، ومن لم يعمد، فهو مسلم في عقيدتهم.

قال أبو الوليد الباجي من فقهاء المالكية في تفسير الفطرة: “الْحَالَةُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مِنْ الْإِيمَانِ رَوَى ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ تَفْسِيرَهُقَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى”،

وقال ابن بطال في معناها: بيان أن الفطرة الإيمان العام. بل إن الله تعالى يهيئ الإنسان للإيمان،كما قال الإمام النووي: “معناه كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به، فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له صانعا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئا للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلما استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا”.

وقال الفيروزآبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود “ولأن قراءة قوله تعالى {فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ  لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ} عقب الحديث: صريح في أن المراد بها فطرة الإسلام.. دليل على أن الفطرة هي الفطرة المستقيمة السليمة، وما يطرأ على المولود من التهويد والتنصير بمنزلة الجدع والتغيير في ولد البهيمة، ولأن الفطرة حيث جاءت مطلقة معرفة باللام لا يراد بها إلا فطرة التوحيد والإسلام وهي الفطرة الممدوحة، ولهذا جاء في حديث الإسراء “لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللبن، قيل له: أصبت الفطرة” ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن يقول “الله أكبر الله أكبر” قال: “على الفطرة” وحيث جاءت الفطرة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد بها فطرة الإسلام لا غير”.

ولهذا، فإن أبناء المشركين الذين يموتون صغارا هم في الجنة، ودليله حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال “إني أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق.. انطلق وإني انطلقت معهما.. وقص رؤياه التي رآها صلى الله عليه وسلم في ليلته إلى أن قال: فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط، قلت ما هذا وما هؤلاء؟ قالا أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين”.

فكان من رحمة الله تعالى أنهم لما ماتوا صغارا لا يحاسبون، كما لا يحاسب كل من لم تبلغهم الدعوة قبل البعثة المحمدية أو بعدها.

ويبقى الجهد علينا نحن أمة محمد، أن نبلغ الحق للناس وأن الدور الواجب علينا هو واجب التبليغ فحسب، وأن نوقن مع هذا أننا لو بلغنا الحق لكل الناس، فإن الناس كلهم لن يؤمنوا، فطبيعة البشر مختلفة، منهم من يقبل الإيمان ومنهم من يقبل الكفر.

 

  • وعلى هذا، يمكن أن نخلص إجابة تساؤلاتك:

1- أن وصول رسالة التوحيد في الأمم السابقة قد وصلت، وأنه ما خلق الله قوما إلا أرسل إليهم رسولا، وأن بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ومع التطورات التي نعيشها فغالب سكان الأرض سمعوا عن الإسلام بصورة أو أخرى، وهناك نسبة قليلة هي التي لم تبلغهم، وهناك نسبة أخرى بلغتهم الدعوة مشوهة.

2- أن القول بأن غالب الناس لا يعبدون الله تعالى، فهذا يحاسب عليه الناس، والله تعالى سيحاسب كل إنسان عن إيمانه وعمله، ولكنه سبحانه ما يجبر أحدا على فعل شيء.

3- أن دعوة في الصين نؤمن أن الله أرسل إليهم رسلا لا نعلمهم، ونوقن – حسب التاريخ – أن المسلمين الأوائل في عهد عثمان بن عفان، وهو الخليفة الثالث قد دعاهم للإسلام، وأن الدعوة قد بلغتهم منذ ذلك الوقت.

4- أن من يولد مؤمنا أكثر حظا، من باب الفضل، ولكنه في مقابله هناك عقاب له إن ترك، وأن من لم يؤمن له الحرية، ولكنه أيضا مولود على فطرة الإسلام، وأن التغيير يأتي من كسب البشر، سواء أكان منه أو من والديه، وأن من مات صغيرا من أبناء المشركين في الجنة إن شاء الله.

5- أن الرقم الذي ذكرته من 90% مبالغ فيه جدا، وغير صحيح حسب الإحصائيات المذكورة.

وفقك الله ورعاك، وحفظك دينك، ولا تنس أن تقوم بجهدك لا نقول في نشر، ولكن في تبليغ، لأن هذا هو المطلوب منا.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى