- السؤال:
السلام عليكم.. أنا شاب ملتزم والحمد لله غير أني من فترة وجيزة بدأت أحس بضعف إيماني خطير ومرد ذلك إلى ما يجري في عالمنا للمسلمين من ظلم وعدوان وحتى الكوارث الطبيعية تصب فوق رؤوس المسلمين، أما الكفرة الظالمون فلا يزدادون إلا قوة وتقدما وتمكينا. أين الحكمة الإلهية في هذا؟ أين ما ورد في القرآن الكريم من وعد بهلاك الظالمين ونصرة المؤمنين؟ كيف تمر جرائم الصهاينة والأمريكان في حق المسلمين دون عقاب؟ |
- الجواب:
الأخ الفاضل:
إن الله تعالى أجرى الكون على قانون السببية، فمن أخذ بالأسباب جاءت له النتائج، وهذا أمر الله وسنته في كونه، {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًۭا}.
إن ما يجري للمسلمين هو عين العدل، قوم ما حكموا بكتاب ربهم، جعلوا الغرب والشرق قبلتهم، أبيحت المحارم، وانتهكت الحرمات، وكل الكبائر تنتهك على مرأى ومسمع، بل في بعض الأحيان بحماية قانونية، أصبح الحق في بلادنا باطلا والباطل حقا، وانتشر الظلم، وضاع ضعاف الناس أمام الكبراء، وانتشر الزنا والربا والغيبة والنميمة وغيرها من الموبقات المهلكات.
فكيف بعد كل هذا تريد نصر الله لأمة هي بعيدة عن الله تعالى، ولا تملك قوتها، ولو كانت مؤمنة، لحماها الله تعالى بما معها من قوة ولو قليلة..
ستقول: الحكام هم السبب؟ وأقول: الحكام لم يأتوا من المريخ ولكنهم يعيشون على أرضنا ويحكموننا، ونحن – كما ترى– لا نستطيع أن نفعل شيئا، غير أن عدم الفعل هو جزء من كسبنا وليس من قدر الله..
ولو نظرنا إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا ما نحن فيه نتيجة حتمية، كما ورد في الحديث: “لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يعمكم الله بعذاب، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم “، الصلاح في الأمر كثير، ولكن الإصلاح أقل، والفساد كثير، ولكن الإفساد أكثر..
ومع كل هذا، فنحن نوقن أن نصر الله آت، حين نعود إليه سبحانه وتعالى..
وهذا يجرنا إلى حالك أنت، أنت ستقف أمام الله، ليس بينك وبينه ترجما، كيف أنت مع الله؟
إن ذنوبي وذنوبك، وعدم أخذنا جميعا بالأسباب هي التي أودت إلى حال أمتنا، والواجب علينا أن نفعل قدر المستطاع، حتى ننجي أنفسنا عند الله تعالى.
وانظر هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:” ويل للعرب من شر قد اقترب. ويل للعرب من شر قد اقترب. فتح اليوم من حدب يأجوج ومأجوج مثل هذا. فقيل يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث”، وقد قال تعالى: “وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون”.
فالصلاح موجود في الأمة، غير أنه يجب علينا أن نسعى للإصلاح.
وما أطلبه منك أن تنظر ما يمكن أن تفعله لأمتك ولدينك، وأن تسعى للإصلاح، فيمكن لك أن تربي بعض الفتيان الصغار، فتعلمهم شيئا من القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تهذبهم وتربيهم على أخلاق الإسلام، فأنت بذلك من المصلحين..
أن تدعو أصحابك وأقاربك إلى الالتزام بدين الله، كالصلاة وحسن الخلق وغير ذلك، فأنت من المصلحين..
أن تسعى لنشر الخير دائما في الناس، فأنت من المصلحين.
ويمكن لك أن تجلس مع نفسك، وتمسك ورقة وقلما، فاكتب فيها ما يمكن أن تفعله لنفسك ولأمتك، فستجد الحياة معك طعم آخر، ولو كانت سوادا عند الناس..
وأحب أن تدرك أن سنة الله في الكون والتاريخ هكذا {وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ}، أمة مهزومة، وأمة منتصرة، ولا يبقى الحال على ما هو عليه، بل سيتغير، ولكن لنكن مساهمين في التغيير قدر طاقتنا، ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.
واعلم أن من يغسل الثوب المتسخ، ليزيل عنه وسخه، سيفاجئ أن يده نظيفة، وإن لم يعمد غسلها.
يا أخي، لسنا نعيش وحدنا في هذه الأرض، فمعنا غيرنا، وسنة التدافع تجمعنا، والأمر أكبر من أن يقوم به فرد أو تقوم به دولة، ولكن علينا السعي، وليس علينا الوصول.
ولنشغل أنفسنا بما يجب علينا، لا بما يجب لنا..
حفظك الله ورعاك، وكفى بالله أنيسا لك ولنا، كن معه دائما، فإن راحتك معه، وكل راحة بعيدة عنه هي وبال على صاحبها، فالزم من عنده راحتك، حتى يهبك إياها في الدنيا، ويهبك نعيمه في الآخرة.
- د. مسعود صبري