استشاراتالدعوة

روتينية اللقاء الدعوي

  • السؤال:
الحقيقة أني أشعر بمشكلة تؤرقني كثيرًا، ولا أعلم هل هي بسببي أم بسبب من حولي، سأوضح لحضرتك أولاً، إنني ألتحق بجماعة، وأنا حاليا مقيمٌ بإحدى دول الخليج، وكل ما نفعله هو أننا نلتقي لتدارس العلوم الدينية كل أسبوع، فلا يوجد عملٌ عامٌّ سوى درس أسبوعي، ولا يوجد أي شيء آخر، حتى علاقتي بإخواني سطحية، لأنه للأسف تلك الجلسة الأسبوعية تدار بطريقة روتينية فوق ما تتخيل، لدرجة أنه فتحت حوارًا للنقاش في موضوع معاصر، وجدت المسئول يقول إنه لا وقت لذلك لأننا محددون بمنهج..

أنا لا أفهم، فهذه الكتب يمكنني أن أقرأها في البيت، لكن نحن نتجالس حتى نشعر بالحب بيننا، وهذا فعلاً ما لا أجده بيني وبينهم، ولا أعلم لماذا.. قد يكون فعلا لغياب التعايش بيننا، فكل واحد في حاله طيلة الأسبوع، وإن كان تليفون بيني وبين أحد فمجرد تليفون روتيني جدا.
أنا لا أشعر أنني أنتمي لجماعة، بل لمجموعة من الأصدقاء الذين فُرِضوا عليَّ، والذين لو كان بيدي أنا لما اخترت واحدًا منهم، لأن كل واحد فيهم اهتماماته وظروفه لا تناسبني لا سنًّا ولا اهتماما في الحياة.
أنا أؤمن أن حبي للشخص يتأتى بمعايشتي له وتواجدي، لا بتكلف، وبعملنا سويًّا في عمل يفيد الإسلام، لا بمجرد أن نلتقي لندرس بعض الكتب، حتى الأخبار الشخصية نقولها في 10 دقائق.

أصبح الذهاب لتلك الجلسة أسبوعيًّا همًّا على قلبي لا أعلم كيف أزيحه مع عدم ثقتي في مسئولي بأن أحكي له أي شيءٍ لأني طبعا غير قريب منه، وهو غير محبب إلى قلبي، فأنا أشعر هنا بالوحدة، ولا أعلم كيف يكون لي أخٌ في الله؟؟

 

  • الجواب:

ربما كانت رسالتك رسالة لكثير من العاملين في حق الدعوة أن ينظروا ما حولهم، فلا شك أن حالتك هذه ليست حالة فردية، وإن كان في ظني أنها ليست حالة مستشرية للحد الذي يجعلنا نحكم على هذه الجماعات بالفشل، بل نحسب أن هذه حالات موجودة داخل أية حركة بنسبة ما، وهي في حاجة إلى العناية والاهتمام والرعاية، ولا يعني كلاما هذا أننا نخطئ القادة في الحركات الإسلامية في المقام الأول، فربما كان الخطأ منك من حيث لا تدري، ومن الطبيعي في سلوك الإنسان أنه لو كانت بينه وبين غيره خصومة -ولا أعني الصدام، لكن مجرد الاختلاف- أن يلحن بحجته.. فهو الذي عرض فكرته، وأن يسعى لحشد الأدلة والبراهين على صوابه وخطأ من سواه، مهما كان الذي يتحدث عنه فردًا كان أم جماعة، ولم نحط بكل ما في المسألة حتى نخطئك أو نخطئ الجماعة.. فما أحب تعميم الأحكام، وخاصة أننا نتكلم عن حالتك أنت لا عن حالات كثيرة، فلكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث كما يقال.

استغربت أخي من قولك إنكم لا تعملون في الدعوة إلا حضور درس ديني، ولا تقومون بأعمال عامة –حسب قولك-.. فأين هي هذه الدعوة؟
إن التعلم ليس من صميم الدعوة، وإن كان خادما لها، والدعوة تحتاج أن يتسلح العاملون فيها بأسلحة كثيرة ومنها طلب العلم، ولكن التسلح والتزود ليس محصورا على ورقات تقرأ، وكتب تحمل، فاستعداد الداعية وتزوده لدعوته له جوانبه المتعددة: من الزاد الروحي والإيماني، والزاد الثقافي، والزاد المهاري، والزاد الرياضي، والزاد الاجتماعي، وغيرها من مجالات الحياة التي يعيشها الناس، لأن الدعوة تتوجه إلى الناس جميعا، وهذا يعني أن يكون هناك حد مقبول من النشاط الإنساني بشكل عام.

إن كلامك يعني أنه ليست هناك دعوة، لأن الدعوة في شقها الأصيل هو التوجه إلى الغير ببعض الأفكار والأيدلوجيات لطرحها، والسعي لإيجاد إيمان لدى الناس بها، ولب الدعوة إلى الله أن نعرف الناس بربهم، وأن نوضح لهم الطريق، وأن نأخذ بأيديهم ما استطعنا إلى ذلك: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًۭا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ}، وكل دعوة تبعد أو تتناسى أن تقرب الناس من الله، وأن يكون الله تعالى هو أول شيء في حياتهم، فهي تحتاج إلى مراجعة مرة بعد مرة.

ولو تأخذ نصيحتي، يجب أن تجلس مع إخوانك في الدعوة –كما تصفون أنفسكم-، وأن تفكروا ما هي الدعوة هذه، وماذا تقدمون وتعملون لها؟

أما وصفك علاقتك بإخوانك أنها سطحية، فأنا أحملك جزءا كبيرا من هذا، فلماذا لا توطد علاقتك أنت بهم، ولماذا لا تبدأهم، وتكون قدوة لهم؟

إن عمل الإنسان في جماعة لا يعني أن يكون أسيرا، بل أرى أن يكون في فعله أميرا يقتدى به، وإن لم يكن من القادة، فزر أنت إخوانك، وتفقّد أحوالهم، ولا تجعل هذا العمل لأجل الجماعة، فإن العمل لأجل الجماعة شرك بالله، ولكن اجعلها لله تعالى، الذي تبتغي منه الثواب، والذي من الواجب أن يكون رضاه هو هدفك من انضمامك لهذه الجماعة.

أما فيما يخص الجلسة الأسبوعية، فأحسب أنه ليس في فهم جماعة من الجماعات أنها تجلس لتدرس لأهلها ومن هم في صفوفها كتبًا وأبحاثا، فهي ليست مؤسسة علمية، وربما أشرت في حديثك أنكم تتناقشون فيما يخص شئون بعضكم في بضعة دقائق.. ويجب أن تراجعوا أنفسكم في وظيفة هذه الجلسة، وما طبيعتها؟ وما الواجب أن يكون فيها؟ وأن يكون هناك تطبيق حقيقي لمنهجها.

ولكن اسمح لي أن أقول لك: إني ألمح أنك تلبس نظارة سوداء لا تجعلك تشعر بإخوانك، حتى اتصالهم بك تصفه بأنه روتيني، ولا أدري لماذا تحمله على هذا المحمل؟ ولماذا لا تحسن الظن به؟ ولماذا لا تبادر أنت بما تحب أن يعاملك الناس به؟
ولكني أخشى كما قال الشاعر الحكيم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ……. كما أن عين السخط تبدي المساويا

أما شعورك بأن هذا هم على قلبك، فلأنك جعلت نفسك في حالة نفسية، لا ترى فيها إلا ما تحاول أن تجعله على سطح عقلك، ولو راجعت نفسك بعد صلاة حاجة لله أن يريك الحق حقا والباطل باطلا، لظننت أنك لو أرسلت إلينا رسالة بغير هذه الروح، مع ثبات المشكلة ذاتها، فأنا لا أنفي وجود المشكلة، وليست القضية في وجود المشكلة ذاتها، بل أحسب أن الأمر أكبر من ذلك في نفسك.
فكن صادقا أخي مع نفسك، واعرف مشكلتك الحقيقية التي تحاول أن تحصرها في الجلسة، مع أن الجلسة حسب ما أرى شيءٌ عارض تحاول أن تعلق عليه كل ما يكمن في نفسك تجاه جماعتك، وأوصيك أن تكون صادقا مع نفسك، وأن تراقب الله تعالى فيما تقول، وأن تكون –إن رأيت بقاءك في الجماعة– بروح وثابة، وأن تتمثل قول الشاعر الحكيم:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ……. عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

فكنا سبَّاقا إلى الخير مع إخوانك في الجماعة ومع غيرهم، فليس العمل للإسلام حصر في جماعة، فقد يقوم الإنسان ببعض الأعمال في الجماعة، مع قيامه ببعض الأعمال للإسلام بعيدا عن جماعته، ولا تنس أنه {وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْدًا}، وأن الجماعة عون للفرد على نوائب الدهر، وأنها نوع من النشاط الإنساني الذي يعتريه القوة والضعف، والصواب والخطأ، والجماعة ليست معصومة، ولكن يجب أن تؤمن بانتمائك للجماعة، وأن تكون حريصا عليها، قبل أن تكون ناقدا لها؛ ويوم تجد في نفسك الحرص فانقد نقد الحريص لا نقد الشامت الرافض.

أسال الله تعالى أن يرزقك الإخلاص فيما قلت، وألا يجعل للشيطان فيه نصيب، وأن يرزقك الخير في الجماعة أو في غيرها، وأن يجعلك من الدعاة المخلصين.. اللهم آمين.
ولا تنسنا من صالح دعائك، وطمئنا دائما عليك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى