استشاراتالدعوة

إباحية، ورسوب، وكذب، ورشوة.. وداعية!!!

  • السؤال:
السادة القائمين على هذا الموقع؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من يرسل إليكم داعية، أو هكذا يُفترض.. انتميت بروحي وفكري إلى جماعةٍ دعويّةٍ كبيرةٍ ومحل احترام الجميع، خصومًا وأصحابا على السواء ولله الحمد؛ ولكن هذه مشكلتي أنني أغرق في المعاصي، وخصوصًا العادة السرية والنظر أحيانا إلى بعض المشاهد الإباحية أكرمكم الله، وكلما قمت بهذا العمل صليت ركعتين وتبت إلى الله، وما ألبث أن أنتكس من جديد.. هل من حل؟؟؟
خصوصا أنني قد كتبت عقدي على من سأتزوجها، ولكن دون أن أدخل بها.. هذه مصيبة؛ والمصيبة الثانية أنني -والحمد لله- على مستوىً علميٍّ جيّد جدا، والله أصدقكم القول وكل من أقابله في هذه البلاد التي أعيش فيها أجده والحمد لله يثني على هذه المسألة، بل إنني أستغلها فعلاً في طرح المفاهيم أحيانا.
ولا أكتمكم القول أنني أشارك أحيانا بكتابة المقالات والبحوث، وأقضي جلّ وقتي في القراءة في كل اتجاه، وأهلي مشكلتي أنهم أيضًا يعدونني شيخًا، ووالدي يفاخر بذلك كثيرا.
وثالثة الأثافي أنني في المرحلة الجامعية، وأهمل تماما مقررات الدراسة، وأتجه إلى القراءة خارج المقررات، مما ترتّب عليه رسوبي المتكرر، وهذا ما أعاني منه الآن.. لأن والدي وأهلي قد أعطوني فرصةً في رسوبي أول مرة، وثاني مرة، ولكن هذه هي الثالثة.. وأصارحكم القول أنني قد عزمت على أن أقوم برشوة الموظف حتى “ينجحني” ولكنه في اللحظة الأخيرة صرّح لي بأنه لم يتمكن من ذلك نظرا لتدنّي درجاتي؛ فقبلت على مضضٍ أن أعيد السنة، وأقول لأهلي ومن يعرفني أني ناجح، ولا أخفيكم القول أنني كنت أنظر إلى المسألة على أنها رشوة بالمعنى الشرعي، ولكنها لم تنفذ والحمد لله.. فهل أنا مؤاخذ؟
ولا أريد أن أبرر، ولكن نعم أنا مقصر، ولكن والدي وأهلي لو عرفوا بذلك سيترتب عليه أن أحرم من الدراسة، ولم يتبق لي إلا 3 أعوام فقط.. فماذا أفعل المشكلة؟؟؟
إنني طموحٌ جدًا، ولديّ مشاريع فكرية أريد القيام بها لخدمة الأمة، وهذه أيضا مشكلة حيث إنني أشعر بعد إتمام أي عمل أقوم به سواء بحوث ومقالات ووو.. فالمسألة تطورت من كونها رسوب متكرر إلى أنّ ما يزعجني فيها هو أنها تعبّر عن عدم تحقيقي لأي شيء ملموس أو أي إنجاز في حياتي الفكرية.
أرجوكم، حالتي النفسية في غاية الصعوبة والله، وقد تكون رسالتي ليس مختصا بها هذا الباب، ولكن لا أستطيع الانتظار إلى يوم الأحد لأرسلها إلى باب مشاكل وحلول.
أرجوكم، إنني فعلاً في معاناةٍ شديدة، مع إنني والحمد لله ملتزمٌ ومصلٍّ ووو..، ولكن تلك خلجات نفسي.
أرجوكم، أريد أن أتسلح بالإرادة دائما، ولا أريد أن أفقدها أبدًا حتى أموت.

 

  • الجواب:

أخي الـ..
أحاول أن أنطق وأقول الداعية، ولكن سامحني لا أستطيع.. ولكن أقول لك أخي المسلم، فأَن نصف أنفسنا بالدعاة إلى الله تعالى وهذا حالنا أحسبه ضربًا من التزييف، وأحب لك أخي كما أحب لنفسي ولكل إخواني أن نقف عند حقيقة أنفسنا، وأن نفرّق بين المعرفة والكلام وكتابة المقالات، وبين وصفنا بالدعاة إلى الله.. وصفنا بمن يأخذون بأيدي الناس إلى ربهم؛ فوصفنا بأننا أطباء البشر -أقصد الدعاة- وصفٌ ليس بالسهل اليسير، حتى لو قال الناس عنا ما قالوا، فإدراك المرء لنفسه هو المحك الرئيس، وليس كلام الناس، فالناس لهم الظاهر، والله يعلم السر وأخفي.

قبل أن أتناقش معك فيما طرحت من أسئلة، أحب أن ألفت الانتباه إلى نقطة، أحسبها هامة، وهي إدراك الذات، ومعرفتها معرفة حقيقية.. من أنا؟ وماذا أفعل؟ وماذا أريد؟ وكيف أسير؟

إن كثيرا من الخروج عن الخط المرسوم، سواء أكان في خط التدين أم غيره يرجع –حسب ظني– إلى الجهل بالنفس، أو تجاهلها.. إننا حين ندرك أنفسنا يمكننا التعامل معها بشيءٍ من الحكمة، ونتمكن من تشخيص دائها بشكلٍ واضح، حتى يؤتي الدواء ثمرته المرجوة بإذن الله.

أخي الكريم؛
أحاول معك تفسير ما تفعله من أمور طرحتها في سؤالك، مع محاولةٍ لتبصيرك بحقيقة الأمر، والسعي لحلها بإذن الله.

 

  • أما عن العادة السرية التي تأتيها وأنت إنسان ملتزم،

وكذلك عاقد؛ فالعادة السرية تنبئ عن فراغ جنسي في حياتك، أو أن هناك كبتا نفسيا، وتفرج عن نفسك بهذا الفعل، فهي هروب من مشاكل جنسية ونفسية في ذات الوقت.

الغريب هو استمرارك على فعلها وأنت العاقد، أي أنه بإمكانك أن تشبع نفسك على الأقل عاطفيا، وأن تجعل زوجتك التي عقدت عليها تشغل جزءًا كبيرًا من حياتك العاطفية، وأن تدرك أخطار هذه العادة، فهي تحدث مضاعفات خطيرة قد تنشأ من التمادي في ممارستها “مثل احتقان وتضخم البروستاتة، وزيادة حساسية قناة مجرى البول مما يؤدي إلى سرعة القذف عند مباشرة العملية الجنسية الطبيعية، وقد تصاب بالتهابات مزمنة في البروستاتة، وحرقان عند التبول، ونزول بعض الإفرازات المخاطية صباحًا”، مما قد يؤثر في حياتك الزوجية مستقبلا.. خاصةً إن كنت تفرط في فعلها.

وإذا كنا ننصح الشباب في مثل هذه الحالة أن يدركوا خطورة ما يفعلونه من العادة السرية، وأن جمهور الفقهاء على تحريمها لقوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ *إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ}، فأحسب أنك غني عن هذا الخطاب، لكنك تحتاج إلى إحيائه في نفسك، وأن تقيس فعلك بالعلاقة بينك وبين ربك.

إن العادة السرية، أو مشاهدة بعض المشاهد الجنسية تحتاج منك –يا من تعمل في الدعوة– أن تجلس مع نفسك، وأن تنظر ماذا تفعل، ولماذا تأتي هذه العادة؟ وما الذي يعود عليك من هذا الفعل؟
إن جسدك أمانة يحاسبك ربك عليه، فكيف تضيّعه في شهوة نفسك وأنت الذي يجب عليك إصلاح غيرك، ألا تعلم أن هذا من الفساد في الأرض، وأن الله لا يحب المفسدين؟

إننا في حاجةٍ إلى إعادة التفكير في طبيعة إمتاع النفس، إن الإسلام ما حرم على الإنسان أن يمتع نفسه، ومجالات الاستمتاع ليست قليلة، ولكن بأي وسيلةٍ نمتع أنفسنا؟! وهل في العادة السرية، أو مشاهدة الأفلام الخليعة إمتاع للنفس حقيقة، وهي التي ارتبطت بالله تعالى؟ وماذا عن هذا الفعل عند الله، أيكون في ميزان الحسنات أم ميزان السيئات؟ وإن كنا ندعو الناس إلى الخوف من الله، فما أخسرنا إذا كنا أقل الناس خوفا منه، ونحسب أننا نحسن صنعا.

إن الحديث عن إتيان العادة السرية عند العاملين في حقل الدعوة ضربٌ مذمومٌ من السلوك، وأحسب أنه سلوكٌ يدل على مشكلةٍ حقيقيةٍ في حياة الإنسان، يجب معرفتها والوقوف على علاجٍ لها، لأن إتيان هذه العادة لا يأتي دفعة واحدة، بل لابد من وجود مثيرات، وهذه المثيرات غالبا ما تكون أشياء محرمة من النظر الحرام، سواء للفتيات أم للمشاهد المحرمة، وكل هذا يفتك بدين الإنسان، فضلا عن كونه يعمل في حقل الدعوة.

ولا تغتر –أخي- بثناء الناس عليك، فالاستمرار على مثل هذه الحال قد يُذهب ما أنعم الله تعالى به عليك من قبولٍ عند الناس، إن هذا القبول نحسب مرده الإخلاص في العمل، وحسن الصلة بالله تعالى، وإصلاح ما بين العبد وربه.. فإذا فسد هذا، أفسد الله ما بينك وبين الناس، ونحن لا نسعى إلى أن تكون لنا يد طولى عند الناس بقدر ما نسعى للحفاظ على ديمومة العمل لله تعالى.

إن المرء حين يحكم على نفسه، يجب أن ينظر إليها من نواحٍ عدة.. أهمها العقيدة والإيمان، والصلة بالله تعالى، ثم العبادات لأنها نوعٌ من تهذيب النفس وتربيتها، ثم جانب الأخلاق والسلوك، ثم الجانب الفكري والثقافي، وكذلك الجانب الاجتماعي وغيرها من جوانب الحياة، ومن خلال هذه الجوانب كلها يمكن لنا أن نحكم على ذواتنا، وأقول هذا لأجل ما تراه انبهارا في نفسك بالناحية الثقافية.. فهي علم ومعرفة، إن أحسنت استغلالها أثابك الله تعالى عليها، وأظنك لست بحاجةٍ إلى أن أعرفك ما للعلم من مكانةٍ في الإسلام، غير أنّ الاهتمام بجانب دون آخر يُحدث خللاً في الشخصية، فترى الإنسان واعظًا بليغًا أمام الناس، لكنه في عباداته قليل الإنتاج، أو في سلوكياته قليل البضاعة.. فأنت في حاجةٍ إلى أن تحدث توازنا بين الجوانب العديدة في نفسك حتى لا تشعر بالاضطراب في الشخصية، أو تشعر بخلل لا ترضاه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خبيرًا بأحوال الناس، فحين يشتكي إليه أحد يجيبه بجوابٍ مناسبٍ لما يشتكي منه، وهذا يعني أن نأخذ من أدوية القرآن والسنة ما هو أنجع لأدوائنا، وأنفع لنفوسنا.

 

  • أما عن اعتيادك الكذب على أهلك..

فإنه من موبقات الأمور، وأخشى أن يكون ذلك بداية خطر كبير عليك، بل هو كذلك بالفعل.. فإنه (يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار) رواه البخاري.
ولا أدري كيف يقوم من يعمل في الدعوة بالرشوة؟؟
ماذا تركنا لغيرنا إذن، بل أحسب أن غيرنا من عوام الناس أفضل منا في كثيرٍ من السلوكيات، وأنا أدعو نفسي وأخي وكل من يعمل بالدعوة أن يستفيدوا من عوام الناس ممن عندهم التزام حقيقي بالإسلام، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ولا يعني هذا انتقاصا من حق العاملين بالدعوة، بل هو تنمية وتجديد دماء، وتصحيح مسار في مجال الدعوة إلى الله تعالى.

أما فيما يخص رسوبك في الامتحان والذي يتكرر للمرة الثالثة،

فأحسب أنّ هناك خلطًا في مفهوم الدعوة عندك، أو أننا نفهم الدعوة خطأ، إن في حياة الإنسان ترتيبات يجب أن تراعى، وأولويات يجب اعتبارها ووضعها في الحسبان..
فكل إنسان يؤدي دوره الطبيعي في حياته وتخصصه، ثم هو بعد إتمامه وإحسانه يقوم بواجبه في الدعوة إلى الله، فالطالب وظيفته الأولى أنه طالب، ثم يمكن بعد الدرس والعلم أن يكون عاملا بحقل الدعوة، وكذلك الطبيب، والمهندس، وغير ذلك من المهن.. فنقول: طبيبٌ داعية، ومهندسٌ داعية، ولا نقول: داعية مهندس.

إننا نخطئ في حقّ دعوتنا حين نقصر في أداء واجباتنا، بل إننا نعوّق الدعوة بهذا التقصير، فمجال الدعوة للطالب كليته أو مدرسته، فإذا كان فاشلا فيها، فإلى أي شيء سيدعو الناس؟ إلى الفشل؟!!
لقد أعجبني ما كتبه الأستاذ محمد عبد القدوس في إحدى قصصه القصيرة حين كتب قصة طالبٍ بكلية دار العلوم يعد نفسه من الدعاة ولا يهتم بالدراسة، فإذا به في امتحان الشريعة الإسلامية لا يجيد الإجابة عن أي سؤال، ووضع نفسه في مأزق.. هل يرسب في الشريعة التي يدعو الناس إليها، أم يغش فيضيع دينه؟؟

ونحن في الدعوة ندعو الناس أن يكونوا متقنين لفنون حياتهم، فكيف ندعوهم ونحن راسبون في حياتنا، إننا ندعو الناس إلى العيش في سبيل الله، كما ندعوهم إلى الموت في سبيل الله، وأخشى أن تنقلب الدعوة عند بعضنا موعظة وكلمة وثرثرة، أو دعوة الناس للخير ونحن أبعد الناس عنه: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، إن على العاملين في حقل الدعوة أن يكونوا أول من يستفيد من الدعوة، لا أن يكونوا جسرا للناس إلى الجنة، ثم إذا بهم من الخاسرين.

أخي العامل في حقل الدعوة؛
إنك في حاجةٍ ماسةٍ إلى مراجعة نفسك كثيرا، وأن ترتب أوراقك من جديد، وأن يكون أول ما تهتم به نفسك قبل غيرك، فالله تعالى يقول: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًۭا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ}، فقدم النفس أولا ثم الأهل، وأن تنظر إلى أي شيء تدعو الناس، إن هذا لا يعني انعزالا عن المجتمع، ولكنك تحتاج إلى نظرةٍ نفسية داخلية، وأن تأخذ من الدعوة ما يدفعك إلى الأمام حتى تتمكن من إنجاز شيءٍ في سبيل الله تعالى.
فالنفس النفس، ثم الغير يأتي ترتيبه بعد ذلك، ولا خير فيمن دعا الناس إلى هدى دون أن يهتدي، ولا نريد أن نكون كما قال الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ……. والماء فوق ظهورها محمولُ

فعندك ما تطفئ به ظمأك، وتنفع به نفسك، وتصلح به ما بينك وبين ربك، ومن نوى خيرا وفقه الله تعالى إليه، ووزان بين أولويات الأمور عندك، ولا تخلط الأمور بعضها ببعض، واستعن بالله، وتوكل عليه: (ومن يتوكّل على الله فهو حسبه * إن الله بالغ أمره * قد جعل الله لكل شيء قدرا).
وفقك الله تعالى للخير، وأعانك على نفسك، وتمم لك زواجك بالسعادة.
ونرجو أن تطمئنا عليك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى