استشاراتالدعوة

الخطيب المؤثر.. طريقة التكوين والنجاح

  • السؤال:
أعمل في حقل الدعوة وأريد أن أصبح خطيبًا مفوَّهًا.. فأرجوا من سيادتكم إرشادي إلى منهجٍ متكاملٍ من كتبٍ ومؤلفاتٍ وغير ذلك، وبرنامجٍ زمنيٍّ للوصول لذلك.

 

 

  • الجواب:

أخي الحبيب؛
شكر الله تعالى لك هذا التفكير.. فإتقان العمل من شعائر المسلمين، وسمة من سمات دينهم الحنيف، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم.
وإتقان العمل وإحسانه ليس محصورا في الأعمال الدنيوية من مهارة الصنعة، وإتقان العمل، فنحن مطالبون بأن نتقن أعمال الدعوة والخير قبل أعمال الدنيا، لأن أعمال الدعوة تقدم إلى الله تعالى، فكانت أوجب في الإتقان، وأولى في إجادة الصنعة.
ولكني لست مع سؤالك، فأنت تريد أن تكون خطيبا مفوها، وما أكثر المفوهين من الخطباء وغيرهم، إننا نراهم في حياتنا كل يوم، بل إن شئت فقل: في كل موقف، وفي كل مكان، ولكن أحسب أن السؤال الصحيح هو: أريد أن أكون خطيبا ناجحا، أو أريد أن أكون خطيبا مؤثرا.

وأبادرك بالقول:
إن الخطابة كشعيرة من شعائر الأمة نحن في حاجة إلى تفعليها، وأن نحولها من مجرد أداء واجب وإقامة شعيرة، إلى أن تكون أداة تأثير، ووسيلة تغيير، ومنبر إصلاح وتهذيب، وهذه الأهداف المذكورة للخطابة، توجب استعدادا يحتاج إلى نوع من البذل والتضحية، فليست الخطابة مجرد تحضير لكلمات، وبث لثقافات، وإظهار للمعلومات.

  • وعملية الخطابة أنظر إليها من عدة زوايا:

الأول: الخطيب.
الثاني: عملية الخطابة.
الثالث: الجمهور المستهدف.
الرابع: المادة المقدمة.

 

  • أما عن الخطيب

فإن عليه أن يتحقق بعدة أمور، وهي:

– مطلوب منه أن يكون ربانيا، موصولا بالله تعالى، يتحقق فيه الإخلاص لله ومراقبته سبحانه وتعالى، وألا يقصد بخطابته إلا وجه الله تعالى، فلا هو يسعى للشهرة، أو ثناء الناس عليه، بل يرى أنه يقوم بوظيفة من الوظائف التي كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضع نصب عينيه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
فأول المحاور التي يهتم بها الخطيب تحقيق العبودية لله تعالى.

– أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوته، فيسعى أن يطبق السنن العملية والقدوة الفعلية من خلال حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتشبه به في حياته وسيرته، وذلك امتثالا لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).
وحين يتربى الخطيب على أن يكون عبودية الله أس الأساس عنده، والرسول الأسوة في حياته، فينشأ الخطيب ربانيا.

– أن يكون الخطيب ممن يؤدي الفرائض التي فرضها الله على عباده ، ويتبع ذلك بالنوافل من الأعمال لينال محبة الله تعالى، وذلك للحديث القدسي الذي يرويه البخاري: (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن.. يكره الموت، وأنا أكره مساءته).
بل يطلب من الخطيب أن يصل إلى حد ترك الشبهات، استبراء لدينه وعرضه، وحفاظا على سلامة قلبه، وكما جاء في الحديث: (ومن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) رواه مسلم.

– أن يتولد عن الخطيب مراقبة الله تعالى، فإذا أراد أن يفعل شيئا فلينظر هل هو لله أم لغيره، فإن كان لله توكل على الله، وإن كان لغير الله توقف، وكما قال أحد الصالحين: المؤمن يحاسب نفسه، يقول: ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ ماذا أردت بنومتي؟
والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه.

 

  • أما عن الأمر الثاني وهو الخطابة؛

فالخطابة فن قديم له مقومات وله أركانه، وقد كانت الخطابة أحد الفنون الأدبية عند العرب قبل الإسلام، وقد كانت العرب تستخدمها في إبداء الحجج والبراهين في اللقاءات السياسية والاجتماعية بين القبائل، وقد كانت تستخدم سلاحا من أسلحة المعارك بين المختلفين، ولم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم قدرها، بل جعل له خطيبا، هو ثابت بن قيس، فكان يأمره بالخطابة عند مجيء وفد من وفود القبائل.
وهذا يعني معرفة بناء الخطبة من مقدمة، وموضوع، وخاتمة، واشتمالها على الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واشتمالها على القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأبيات من الشعر وأقوال السلف الصالح وغيرها من الآثار عن السلف وغيرهم، وكذلك الدعاء.

 

  • والأمر الثالث هو الجمهور؛

وأقصد به أن يكون الخطيب على علم ووعي بالجمهور الذي يحدثه، ومستواه الثقافة، هل الجمهور عام أم خاص؟ متدين أم غير متدين؟ على وعي وثقافة أم لا؟؟
وذلك يؤدي إلى تحديد لغة الخطاب المناسب لهم، حتى يتسنى للخطيب أن يوصل الفكرة التي يريد توصيلها للجمهور.

 

  • وأما عن الأمر الرابع وهو مادة الخطابة؛

وأرى فيها شقين:
– الشق الأول: أن تكون خارجة عن يقين بما يقول الخطيب، وأن يكون مؤمنا بما يصدره من تذكير وتوجيه وإرشاد للسامعين، وأن يخرج من قلبه قبل أن يجري على لسانه، فإن هذا أدعى للقبول والتأثير في الناس.. وكما قيل: ما كان من القلب وصل للقلب وما كان من اللسان لم يتعد الآذان.

 

  • أما عن المنهج الثقافي

والذي كان هو مضمون سؤالك، مع تأكيدي على ضرورة انتباهك إلى درجته الحقيقية في عملية الخطابة، وأنه ليس كل شيء، فهناك -مع أهميته- ما هو أهم منه.

وهذه بعض الكتب التي يمكنك الاسترشاد بها في تكوين ثقافة الخطيب المتميز:

  • في مجال الدعوة:

– أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان.
– تذكرة الدعاة للشيخ البهي الخولي.
– الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، للدكتور يوسف القرضاوي.

 

  • كتب المعاجم والموضوعات المفيدة في الخطابة، وأهمها:

– معجم الألفاظ والأعلام القرآنية للشيخ محمد إسماعيل إبراهيم.
– التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، محمد البهي.

 

  • سيرة الأنبياء والمرسلين، ومن أهم ما كتب فيها:

– المستفاد من قصص الأنبياء للدعوة والدعاة للدكتور عبد الكريم زيدان.
– قصص الأنبياء للدكتور الشيخ عبد الوهاب النجار.
– قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير.

 

  • السيرة النبوية:

– فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
– فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي.
– الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ سعيد حوى.
– عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم للأستاذ عباس العقاد.
– فقه الأولويات وفقه الموازنات للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
– المرأة في عصر الرسالة للأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة.

 

  • مشكلات في طريق الدعوة، يمكن الرجوع إلى:

– مع الله: دراسات في الدعوة والدعاة للشيخ محمد الغزالي.
– الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي للدكتور يوسف القرضاوي.
– ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للشيخ أبو الحسن الندوي.

 

  • في الحديث النبوي، يمكن الرجوع إلى:

– الترغيب والترهيب للإمام المنذري.
– رياض الصالحين للإمام النووي.
– الأربعون النووية للإمام النووي.
بالإضافة إلى كتب السنة، كالبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأبي داود، والموطأ للإمام مالك، ومسند أحمد، وغيرها.

 

  • وفي التفسير، يمكن الرجوع إلى:

– تفسير السعدي.
– تفسير ابن كثير.
– في ظلال القرآن.
– تفسير القرطبي.
وغيرها من كتب التفسير.

 

  • وفي الفقه يمكن الرجوع إلى:

– الفقه الواضح، للدكتور محمد بكر إسماعيل.
– فقه السنة للشيخ سيد سابق.
– تيسير فقه العبادات للمستشار فيصل مولوي.
– فقه المعاملات للشيخ حسن أيوب.

 

  • وفي علوم القرآن، يمكن الرجوع إلى:

– مباحث في علوم القرآن لمناع القطان.
– وعلوم القرآن للدكتور محمد بكر إسماعيل.

 

  • وفي العقيدة:

– الإيمان للإمام ابن تيمية.
– عقيدة المسلم للشيخ الغزالي.
– العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي.
– سلسلة العقيدة من الكتاب والسنة للدكتور عمر سليمان الأشقر.
– العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون.

 

  • وفي التربية والزهد والرقائق:

– إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
– ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
– وخلق المسلم للشيخ الغزالي.

 

  • وفي مصطلح الحديث:

– تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان.
– علوم الحديث لصبحي الصالح.
– الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير وأحمد شاكر.

كما يضاف إلى هذا أن يكون الخطيب على إلمام بما يدور من أحداث معاصرة، فيضعها في بؤرة اهتمامه، كما أنه في حاجة إلى معرفة ما يحاك للمسلمين وأن يقرأ في الاستشراق، وأهم الفرق والمذاهب ما تيسر له ذلك.
ولكن يجب أن يعلم أن هذا التكوين سيأخذ فترة من الزمن فلا يتعجل الخطيب المبتدئ قطف الثمرة والوصول إلى النتيجة المرجوة بعد فترة قصيرة، فيدرك المرحلة التي يعيشها ولا يتعجل.

وأنصح كل خطيب مبتدئ أن يكون له مجموعة من الزملاء أو المراقبين لخطبته، يجلس معهم بعد الخطبة لتقييمها، تقويما له في سيره في هذا الطريق.

والله أسأل لك أخي الحبيب أن تكون خطيبا ناجحا مؤثرا فيمن حولك، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في كل شيء، وتابعنا بأخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى