السؤال:
شيوخنا الأفاضل، في الحقيقة لا أدري كيف أبدأ سؤالي، ولكني سأطلب منكم النصح في أمري. وسؤالي هو أنني التحيت حديثا، وزوجتي منتقبة، وقد فوجئت أنها تطلب مني أن أحلق لحيتي حيث أنها لا يعجبها وضعي ولا شكلي وأنا ملتح.. فكان الطلب كالصاعقة، فلا أدري ما أفعل. ولا أفهم لماذا طلبت مني زوجتي المنتقبة أن أحلق لحيتي، فلو كان الطلب من والدي أو والدتي أو أحد أقاربي لوجدت لهم العذر، ولكنه جاء من زوجتي المنتقبة، أنا حائر، لا أدري ما أفعل. |
- الجواب:
أخي السائل؛
اسمح لي أن أقول لك سؤالك هذا يجمع بين الغرابة والتعجب، ويحمل في طياته بعض الدوافع النفسية التي يجب أن تكشف النقاب عنها، وأقصد بهذا أن تكون على معرفة تامة بنمط تفكير زوجتك، فزوجتك اختارت النقاب لباسًا لها، مع ما يحمل في اختياره من التزام التشديد على النفس، والأخذ بالعزائم، فكان يلائم هذا أن تبقى أنت ذا لحية، ربما تكون كثة، تزيد على قبضة اليد كما هي السنة على بعض الروايات.
وفي تحليلي لطلب زوجتك أنها ربما لبست النقاب تأثرًا بمن حولها، ولأن زميلات لها اخترنه، فأحبت ألا تكون أقل منهن، أو لأن النقاب لباس خارجي، أما اللحية فهي في الخارج والداخل تكون معك، وهي تتبنى منهج الأخذ بالعزائم فيما يخصها مع الناس، وتترخص فيما بينها وبين زوجها حين تغلق على نفسها بابها.
والتحليل الأخير ربما كان ألين، وهو إعمال لحسن الظن الذي أمرنا به.
وقبل الحكم على طلبها لا بد للنظر إلى طريقة الطلب، هل طلبته وقد بدا الكره منها للحية، أم أنها طلبت حلق اللحية على استحياء وكأنها تريد أن تشبع رغبة في نفسها كزوجة، فرأت أن تشبعها مع زوجها دون النظر إلى الرجال، وهي تتمثل قول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
أو ربما كنت لا تهتم بنفسك، ومن هذا أنك لا تهتم بتهذيب لحيتك وهنا لم تكن اللحية مقصودة بذاتها، وإنما عبرت عن إهمالك في نفسك في مظهر من المظاهر، وهي اللحية.
وقد كان ابن عباس رضي الله عنه يقول: إني لأتزين لزوجتي، كما تتزين لي”.
ولا يعني ارتداؤها النقاب أنها تحمل في نفسها فكر أي امرأة تلبس النقاب ترى فيه أن تحصر جمالها وما حباها الله من نعم أن تكون لزوجها فحسب دون الرجال.
وبعد هذه الافتراضات العقلية التي سقناها- لأنه لم يكن هناك تفاصيل في السؤال، فكان استقراء ما بين السطور- فنقول:
إن بدا لك من زوجتك كرهًا للحية، وأنها تراها شيئًا غير محبب، فلا بد أن تراجع تفكير زوجتك، فاللحية زينة الرجال، ولولا ما يخسره بعض الرجال، مما يعوقهم في الحياة، أو يتسبب في ضرر يلحق بهم، ما تركوا إطلاق لحيتهم، وقد عدها النبي صلى الله عليه وسلم من سنن الفطرة، أي من الأمور التي فطر الإنسان على حبه، أو أن الإنسان يفعلها بسجيته.
وهي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم على رأي كثير من أهل العلم، بل عدها البعض من الأمور الواجبة التي يأثم الإنسان بتركها وقد جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعفوا اللحى، و جزوا الشوارب، و غيروا شيبكم، و لا تشبهوا باليهود و النصارى) أورده السيوطي في الجامع وصححه الألباني.
فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشد إليها أمرًا واجبًا، أو حثًّا وإرشادًا لما هو أفضل وقد فعلها الزوج، فكيف للزوجة أن تطلب من زوجها أن يحلقها؛ لأنها لا تروق لها، لا لعلة أو سبب؟
أما إن كانت المرأة ترى أنها تتهيأ لزوجها ولكنه لا يتهيأ لها، وأنها ترى زوجها لا يهتم بنفسه، وأن إطلاقه لحيته الطويلة يجعلها تكاد أن تفتت، فطلبت من زوجها إحصانًا لنفسها، واستعفافا لزوجها ودفعا له للاهتمام بنفسه، فالمحافظة على البيت بحلق اللحية خير -عند الله كما نظن- من الطلاق والفراق، وما يترتب عليه من آثار ضارة في الحياة الأسرية.
ولو كنت مكان الزوج، لجالست زوجتي في جلسة مصارحة، وفتحت لها قلبي أو طلبت منها أن تفتح لي قلبها، وأن تخبرني بكل صراحة عن الدافع وراء طلبها.
فإن كان جهلاً بالحكم، لذكرتها بوضع اللحية كأدب من آداب الإسلام، وملمح من ملامح الرجولة، ومظهرًا خارجيًّا من مظاهرة الذكورة.
وإن كانت ترى إهمالاً في النفس، لسعيت إلى الأخذ من اللحية حتى تكون في أحسن هيئة، وقد ورد عن بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كابن عمر وغيره أنهم كانوا يأخذون من لحاهم.
وهناك من الفقهاء -ممن يرون إطلاق اللحية واجبًا- والأخذ من اللحية بقدر محدود، ولا بأس أن يكون ذلك تجملاً للزوجة، فإنه مما نرى أن المرء يثاب عليه، ولتكن جلسة المصارحة سبيلاً دائمًا للتفاهم حول ما يختلف فيه الزوجان.
والله تعالى نسأل لكما السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يديم عليكما نعمته.
والله الموفق، وتابعنا بأخبارك.
- د. مسعود صبري