استشاراتالدعوة

إنهم يسرقون في الاعتكاف!

  • السؤال:
في جو الاعتكاف الجميل، في هذه العشر المباركة، يكون الهم الأكبر للكثير هو تحصيل الثواب والقرب من الله، أما أنا – وأنا واحد من مسئولي اعتكاف للطلبة من سن 16-23 سنة – أجد ما يشغلني من مشكلات هؤلاء الطلاب، فواحد يعلن أن تليفونه المحمول سُرِق منه، والآخر يعلن أن نقودًا سرقت منه!!!.
ورأى بعضنا أن نفتش الحقائب أثناء انشغال الطلبة بالصلاة، ووجدنا الجهاز المحمول في حقيبة أحدهم، هذا الشخص صاحب الحقيبة متميز من الناحية الدعوية وجذب الأفراد!!.

نحن في حيرة من أمرنا، هل نواجهه؟ أم نأخذ الجهاز من حقيبته وكأن شيئًا لم يحدث؟ أم نطرده؟
ما التصرف الصحيح في مثل هذه المشكلات؟
أرجوكم سرعة الرد، وأرجو لو أتيحت الفرصة لحضراتكم أن تخبرونا عن الصورة المثلى لإدارة مدارسة حول معنى معين، وليكن (الأخوة والحب في الله)، وكيفية المناقشة وتوجيه الأسئلة؛ لأن من برنامجنا هذه المدارسة اليومية.
أعتذر للإطالة وجزاكم الله خيرًا.

 

  • الجواب:

أخي الكريم؛
إن الاعتكاف مدرسة روحية ينقطع فيها الإنسان عن متع الدنيا وملذاتها، انشغالاً بطاعة الله، بغية الوصول إلى رضاه، ومحاولة تلمس ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

وفي الاعتكاف ينشغل الإنسان عن كل شيء من أمور الدنيا، عدا الأمور التي يحتاج إليها، من الطعام والشراب والملبس والتنظف وقضاء الحاجة ونحوها، مما يقيم صلب حياته، ثم يشغل نفسه بعدها بطاعة الله وذِكْره والالتجاء إليه، والتضرع له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، ونحوها من مظاهر الطاعة.

وما تحكي عنه أخي من سرقة بعض الأموال أو الهاتف المحمول عمل لا يليق بمسلم بالطبع، ولكن لا بد من التأكد أن مثل هذا العمل سرقة حقيقية، وليس مزاحًا سخيفًا يمازح بعض الطلبة بعضهم الآخر به، مثل ما هو مشتهر في مثل هذه السن، فإن تأكدت من أن الفعل سرقة فعلاً، فيمكن الحديث عن هذا الأمر في نقاط عدة:

  • أولاً:

يجب مراعاة السن الذي تتعامل معه، فهي فترة مراهقة، فالطالب قد لا يكون أخذ التليفون من أجل سرقته، ولكن لأنه أحب إمساكه أو اللعب به فترة ثم إعادته، أو أراد أن يكلم أحدًا من باب محاكاة ما يراه.
وهذا يتطلب معرفة بخصائص المرحلة السنية معرفة تامة، تساعد على حسن التعامل معهم، فالأمر لا يقف عند معالجة موقف، بقدر ما هو معالجة شخص.

  • ثانيًا:

لابد من توضيح مفهوم السرقة عند الطلبة وأضراره، وأن يضع الإنسان نفسه مكان المسروق، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذي جاء يطلب منه الإذن بالزنى، فلم يعنفه، وإنما قال له: (أتحبه لأمك؟)، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: (كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟)، قال: لا، جعلني الله فداك، قال: (كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟) وزاد ابن عوف أنه ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداك، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: (اللهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه)، فلم يكن شيء أبغض إليه منه، يعني الزنى. رواه أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح.

  • ثالثًا:

الدعاء بالهداية، فكما رأينا في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده الشريفة على صدر هذا الشاب، ودعا له، فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه، حتى ما كان شيء أبعض عند الشاب من الزنى.

  • رابعًا:

ربط الأفعال بحب الله تعالى وسخطه، وفي ذلك تحقيق معنى العبودية الحقة، فوصول الإنسان إلى محبة الله يعني تنفيذ أمره، واجتناب نهيه، فالمسلم يسائل نفسه ويحاسبها: ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ ماذا أردت بنومتي؟ والفاجر يمضي قُدُمًا لا يعاتب نفسه ولا يحاسبها.
كما أن المسلم ينظر إلى عمله، فإن كان لله مضى وتوكل على الله، وإن كان لغير الله وقف واستغفر وتاب وأناب، وعاد إلى الله تعالى بتوبة نصوح.

وفي ظني أن مثل هذه الأمور الأَوْلى والأوجب فيها الستر، بما يحقق معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم، فأقترح عليك إعادة الشيء المسروق لصاحبه دون نشر اسم السارق ودون الحديث معه في شيء، مع مراقبته بعد ذلك من طرف خَفِي، فإن عاد لمثل هذا الفعل كلمتَه أنت كمشرف، أو مَن ترى أنه أصلح للكلام معه، وعليكم أن تقبلوا منه عذره وكلامه على أية حال؛ لأنها المرة الأولى، وأن يعالج الأمر بحكمة وروية.

فإن استشرى الأمر، فيمكن أن نفعل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: ما بال أقوام يأتون للاعتكاف في بيت الله للعبادة، ثم يرتكبون كبيرة السرقة؟؟!!.
فإن زاد الأمر، وعُلِم أن السرقة داء متأصل عند الطالب، فلابد من أخذ موقف حازم منه، مع مراعاة سُنّة التدرج في المعالجة والتغيير.

وفي ظني أننا بحاجة إلى معرفة ودراسة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الأخطاء، وحسن تصرفه في مثل هذه الأمور، فهو القدوة والأسوة لنا جميعًا صلى الله عليه وسلم.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

Related Articles

Back to top button