- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. إخوتي الكرام، هناك سؤال يشغل بالي.. عندنا في القرية رجل كبير في السن وهو يصلي حتى لا يقطع فرضا إلا ويصليه في المسجد حتى الفجر، لكنه كما سمعت لا يصل رحمه، ومشكلة هذه الرجل بالإضافة إلى ذلك أنه أحيانا يفتي في أمور عدة ولا يريد من أحد أن يناقشه، فهل يمكن له أن يكون داعيا؟ علما بأن الناس تصدقه لكبره وليس لعلمه؟ |
- الجواب:
الأخ الفاضل:
كل الناس بطبائعهم فيهم من الخير وفيهم من الشر، والإنسان قد يجمع بين المتناقضات، ودور الداعية هو السعي لتصحيح مسيرة المدعو، وأقول: السعي، وليس التصحيح، لأن التصحيح يجب أن يكون نابعا من الإنسان ذاته، ومدخل الإنسان العقل، ومركز التغيير عنده القلب، وحين يتوجه الداعية للمدعو، فإن عليه أن يخاطب الاثنين، العقل والقلب، فإذا استطاع إقناع العقل، والتأثير على القلب، فقد جاء دور المدعو نفسه في الاستجابة للتغيير للأصوب، وعليه أن ينفذ هو التغيير، فيثاب الداعية على الإرشاد، ويثاب المدعو على الفعل في التغيير للصلاح، ولهذا أوضح الله تعالى دور الرسل بأنهم “مبشرون ومنذرون”، وقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: “إن عليك إلا البلاغ”، بل يحزن النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الاستجابة، فيخفف الله تعالى عنه قائلا: “فلعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين”.
وهذا يعني أن ينشغل الداعية بواجبه، وأن يكون هو محط اهتمامه مع من يدعو، فهذا دوره الواجب عليه، فإن أكرمه الله تعالى بالثمرة، فإن هذا مما يفرح القلب، غير أن ثوابه قد حصل، سواء اقتنع المدعو بالتغيير أم لم يقتنع، فعل أم لم يفعل، لأن الداعية قام بدوره وقد انتهى مما عليه.
كما أنه من واجبات الداعية أن يدرك طبيعة من يدعوه، فدعوة الشباب تختلف عن دعوة الرجال، وعن دعوة النساء، وعن دعوة الشيوخ، ودعوة المثقف غير دعوة غير المثقف، وإن كنت ترى في صاحبك تصميما على رأيه، فهذه طبيعة سنه، فكبار السن قلما يقتنع برأي غيره، ولهذا يجعل التعامل معهم بحذر، والدخول إليهم بحنكة وحكمة، ومن أفضل الأساليب للإقناع هو أن تجعل الإنسان هو صاحب القضية وهو المدافع عنها، فإن كان مثلا يفتي بلا علم، مع التأكد من أن ما قاله ليس أحد الآراء، ولكنك لا توافقه، يعني أن يقول للناس خطأ، فيسأل عمن يفتي للناس خطأ، ولا يستمع لكلام أي حد، فيوصف له حالته هو، حتى يدرك خطأه بشكل يليق به، ولا يضعه في حجر، وما أحسن ما فعله الحسن والحسين – رضي الله عنهما – حين وجدا رجلا كبير السن يتوضأ خطأ، فاتفقا على أن يجعلاه حكما بينهما فيمن يحسن الوضوء، فلما وضع الرجل موضع التحكيم، وأعليا قدره، لم يجد غضاضة في أن يعترف بأنه هو الذي على خطأ، وأنهما على صواب.
كما يمكن أن تذكر لشيخ المسجد الذي يصلي فيه أن يتحدث عن الموضوع بشكل جيد، من باب النصح العام، لأن الناس شراء معه، فلعله لا يقبل من الدعاة ويقبل من بعض الناس، فإنك لا تدري على من يصحح الخطأ.
وقد حكا لنا بعض أساتذنا أنه كان في الخدمة العسكرية، وقد وفقه الله تعالى أن جعل الكتيبة كلها تصلي، غير واحد له رتبة دون الضابط، فكان هو الوحيد الذي لا يصلي، وفي يوم من الأيام وجد “الجاويش” يصلي الفجر، ويجلس بجوار المنبر قبل الصلاة، فتعجب الشيخ حين رآه، فحكا له أن أحد الجنود “عسكري” هو الذي جعله يصلي، لأنه قال له بشكل صريح من قلبه: “يا أخي صلِّ، حرام عليك، شايف كل الناس وجوههم منوره، إلا أنت، وجهك اسود”، فكانت هدايته على يديه، ولم يستطع العالم إقناعه. ومن هنا، فإن إشراك من هم في سنه، أو من هم في طبقته يساعد على الإقناع عنده.
أما بخصوص هل يصلح أن يكون داعية، أقول لك:
نعم كل إنسان يصلح أن يكون داعية، بشرط أن يدعو فيما يحسنه، وأن يكون ملما فيما يدعو الناس إليه، فالدعوة درجات، ولا يمكن أن نحرم أحدا منها، لكن علينا أن نصوب الأخطاء فيما بيننا، وأن يكون النصح لا النقد هو منهجنا، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، ولكن من الواجب إدراك أن النصح فيه الخوف على المنصوح، وألا يجد الناصح في نفسه نصرا على من نصحه، لأن هذا يصنع حواجز تمنع مرور النصيحة إلى القلب، وإن فتح لها الباب للأذن والعقل، فحين تكون النصيحة خالصة لله، وتؤتى بطريقة حسنة، فيغلب على الظن أن تؤتي ثمرتها بإذن الله.
كما يمكن إشراك هذا الشيخ الكبير في بعض الأعمال التي يمكن القيام بها في الدعوة، سواء أكان على رأسها إن صلح، لكبر سنه، أو يكون عضوا فيها، أو تكون هناك أعمال يكون فيها رأسا، وأخرى فيها فردا، والداعية الذكي هو من يوظف كل الطاقات لأجل دعوة الله تعالى.
واسمح لي أن أهمس في أذنك بقولك: سمعت أنه لا يصل رحمه، فمثل هذا لا يصلح مقياسا للناس، فحكم الدعاة – خاصة – يجب أن يكون قاطعا في الأشخاص على الناس، وما لم يتأكد الدعاة، فلا يكون الأمر منطوقا به حتى التأكد، فإن تم التأكد، أدرجناه في قائمة الإصلاح..
واعلم أن من نوى خيرا، وفقه الله تعالى إليه، ولكن عليك بالحلم، فإن لم فالتحلم، وعليك بالصبر، فإن لم يكن فالتصبر، وأخلص لله، ييسر لك أداء الطاعة، ويثيبك عليها.
وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى.. ولا تنسنا من دعائك.. وتابعنا بأخبارك.
- د. مسعود صبري