استشاراتتقوية الإيمان

أشعر بعدم الثقة في نفسي..

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا الله يجزيكم ألف ألف خير على هذا المجهود عسى الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.

حدث خلاف بيني وبين بعض الأقارب الذين أحبهم كثيرا، لكنني والحمد لله ربنا قدرني على أن أصبر وأسامح هؤلاء الأقارب بعد أن وقع علىّ ضرر في مسالة مصيرية ومهمة جدا لأني أعرف أن هذا حدث بإرادة الله وليس بإرادتهم، حيث إن ما أصابنا لم يكن يخطئنا..

مشكلتي هي أني أريد أن أسترد قوة إيماني فأنا الآن في حالة أشعر بعدم الثقة في نفسي وفي من حولي بعد هذا الصدمة من أقرب الناس إلي والذين كنت أعتمد عليهم أشعر بالراحة لأني متسامحة، ولأني لم أرتكب أي غلط كما يطمئني كل من حولي لكن كيف أسترد الثقة في من حولي وكيف أسترد قوة إيماني حيث إني مداومة على الصلاة والقيام والدعاء بالعوض من الله لكنني أصبحت متشائمة وخائفة وقلقة، أشعر أن مستقبلي ضاع رغم أن المستقبل بيد الله..

فأنا أشعر أن الفرص قليلة في البلد في كل شيء بالرغم أنني عندما اقرأ القران أجد الآيات تبشرني وأشعر كأن الله هو الذي يكلمني والله. احدى قريباتي قالت لي: إذا أردت أن يكلمك الله فاقرئي القرآن، ولله الحمد، وجدت ذلك في نفسي. المعذرة على عدم كتابة التفاصيل.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الفاضلة..

أحب أن أطمئنك أولا أن إيمانك بخير، وليس هذا من باب ما يطمئن به الطبيب من يعالج، لكنني أجد ذلك من خلال ما قلت عن حالتك، وإن كانت كلماتك قليلة، فالبحث عن قوة الإيمان، وليس مجرد الإيمان هو مؤشر خير للإيمان، وأن يبحث المسلم عن العافية في الدين ذاك أيضا من صميم الإيمان، فالمسلم دائما يبحث عن القوة، لقوله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”، وقد قال تعالى: {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ}، فجاءت القوة بصيغة النكرة، لتفيد كل أنواع القوة، وعلى رأسها القوة الإيمانية.

كما أن الحرص على العبادات من الصلاة والقيام والدعاء وغيرها من علامات الإيمان الصادق، لأن العبادة فيها معنى العبودية لله تعالى، والتضرع إليه، وهي من أحب الوسائل التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى.

وما أحسن الاستشعار الجميل الذي قلت فيه “عندما اقرأ القران أجد الآيات تبشرني وأشعر كأن الله هو الذي يكلمني، والله”، وأن الوصول إلى هذه الدرجة ليوحي بالإيمان الصادق، فمعرفة مواطن الخير من الأمور الجميلة في حياة الإنسان المسلم، وقد جاء في الحديث: “إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن”، كما أنه يجب على المسلم أن يعرف مواطن الإيجابية في حياته، وأن يدرك مواطن الخلل في حياته، ليقف على مواطن الإيجابية فينميها، وعلى مواطن السلبية والخلل فيسعى لعلاجها.

وليس من الحكمة ظلم النفس باتهامها بعدم الإيمان، وقد منّ الله تعالى عليها بهذه النعمة، إذ المطلوب من المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمته، حتى يرزق الزيادة، لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌۭ}، وقد طالبنا الله تعالى بالشكر على نعمته، فقال: {وَٱشْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، لأن إيجاد روح الشكر فيها قتل لروح اليأس، وقد علم الله تعالى أن الشيطان يثبط الإنسان، وأن قلة من الخلق هي التي ستشكر، فقال: {وَقَلِيلٌۭ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ}.

أما الذي آخذه عليك فهو تشاؤمك وخوفك على مستقبلك، فيجب أن نستثمر هذا الإيمان ليكون طاقة تضبط سلوكنا وأفعالنا، وتصحح عقائدنا، فالمستقبل بيد الله تعالى وحده، ولن يستطيع أحد مهما أوتي من أسباب القوة في الدنيا أن يتحكم في مستقبل أحد، كما أننا مسئولون بدرجة ما عن تحديد مستقبلنا، وإدارة كفته، وتسيير عجلته أو إيقافها عاجزة تنتظر رياحا تأخذه يمنة أو يسرة، أو نأخذ بزمام المبادرة فنقود سفينتنا إلى البر الذي نريده نحن.

وقد ربط الله تعالى الجزاء دائما في القرآن بالعمل، حتى في أشد الحالات التي يضعف المرء فيها عن الفعل، لكنه طلب منا الأخذ بالأسباب مع التوكل على رب الأرباب، فها هو القرآن يحكي عن السيدة مريم الطلب منها وهي في حالة وضعها {وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَـٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًۭا جَنِيًّۭا، فَكُلِى وَٱشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًۭا…}، فعلاجك – اختنا الفاضلة- في يقينك بالله تعالى، أما ما حدث لك من أقاربك فهو من الخير الذي قدره الله تعالى لك، وإن رأيت فيه شرا، وفي هذا الأمر نقطتان:

الأولى: حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: “يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف.” فنوقن أن سعي الناس لضرنا لن يحدث إلا إذا كان الله تعالى قد قدره، وأن الناس لا يملكون لأنفسهم شيئا، فكيف يملكون لغيرهم؟

الثانية: أن هناك أشياء يراها الإنسان شرا له، ولكنها في حقيقة الأمر هي خير له، وهذا ما نلحظه من القرآن الكريم، فالله تعالى يقول: “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”، ومن السنة النبوية جاء في العلاقة الزوجية: ” فإن كرهت منها خلقا رضيت لها آخر”، ومن الواقع العملي أنه كم من الأشياء التي كان الإنسان يتمناها، ولكن الله تعالى منعه منها، فحزن ولم يكن راضيا بقلبه عن قدر الله، فإذا بقدر الله خير له من قدره، وإذا به ينقلب من الساخط للشاكر، ولو رفع عنه القلم وكشفت عنه الحجب لما اختار إلا ما اختاره الله تعالى له.

ومن الأمور الهامة التي تريح المسلم أن الناس متوقع منهم الشر، ولكنه حين يركن إلى الله، فإنه يأوي إلى ركن شديد، فلن يجد منه إلا كل الخير، وليتذكر المسلم دائما قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ ۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ}، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراد، مع الوضع في الحسبان أن يكون المسلم كيسا فطنا، يدرك ما يدور حوله، ويفهم الأمور بشكل جيد، ويتخذ من المحاذير قد استطاعته ما لا يجعل غيره يظلمه، وقد ورد عن عمر قوله: “أنا لست بالخب ولا الخب يخدعني”.

كما أن لك أن تصارحي أقاربك فيما فعلوا معك، وأن تظهري موقفك لهم، وأن توضحي لهم ما صنعوا حسب قواعد الشرع، فإن كثيرا من الناس رجاعون إلى الحق، خاصة حين يكون الخطاب مبنيا على قواعد الدين، والخوف من الله تعالى، وخشية الحساب، ويمكن تذكيرهم بحديث المفلس الذي ورد عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول اللّه من لا درهم له ولا متاع. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار”.

ومع كل هذا، فإن ما صنعته من العفو عنهم، هو من صميم الإيمان، وهذا ما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول فيما أمره الله تعالى به “وأعف عمن ظلمني”، كما أنه يجب عليك أن تنظري للناس بشكل واضح، فليس كل الناس شر، وليس الناس دائما يأتون الشر في كل أفعالهم، فطبيعة الإنسان الخطأ، فابحثي وفتشي فيمن تعرفين، ستجدين فيهم الصالح الطيب، وستجدين فيهم الفاسد الشرير، كما أنه يجب أن نوطن أنفسنا حتى لا نصدم، أن الإنسان قد يصدر من الخير والشر، وأن الخير والشر دائمان في هذه الحياة حتى يقوم الناس لرب العالمين.

على أن هذا لا يمنع الإنسان أن يأخذ حقه ويبحث عنه، مع عدم إغفال العفو الذي هو من صفات الله تعالى، فإن الله تعالى يعفو عنا، فلنتعلم من ربنا أن نعفو عن غيرنا، ما دام في مقدرونا، على أن يكون عفو القادرين، حتى يؤتي ثماره.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى