- السؤال:
أفيدوني أفادكم الله بما ينجي من عذاب القبر ومن وحشته؟ وما هي درجة الإيمان التي إذا وصلها العبد بشر بالجنة قبل أن يخرج من الدنيا؟ وما هو العمل الذي يوصل إلى هذه الدرجة؟ |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل..
جعلك الله تعالى عبدا للرحمن، و أحيا قلبك بالإيمان، ونصرك على كل من ظلمك وعاداك، كما نصرك على نفسك وهواك، وجعل الجنة مثواك، اللهم آمين.
أخي الفاضل:
إن من بشائر الإيمان أن يرزق الله العبد الاهتمام بالآخرة، وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله تعالى له أمره، وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة، وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع” رواه الطبراني، وفي رواية لابن ماجة (مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهْ. وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ. وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِي رَاغِمَةٌ)، فاستمر أخي على حالك هذه، واجعل الآخرة دائما هي همك، وفكر في مصيرك عند الله تعالى، فإنه لا يسوقك إلا إلى خير، ولا يزال معك من الله توفيق وحب، فكما في الحديث: “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه.”
- أما ما ينجي من عذاب القبر، فنذكر منه ما يلي:-
1- الاستمرار الدائم على طاعة الله تعالى، ومراقبته سبحانه في كل صغيرة وكبيرة، ويقين العبد أن الله تعالى مطلع عليه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، مما يولد عند العبد أن يكون كل عمله لله تعالى وحده، فيقذف الله تعالى في قلب عبده إيمانا لا يرد، ويرزقه نعيما لا ينفد.
2- الشهادة في سبيل الله، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة)، وفي حديث آخر: (إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه).
3- المداومة على قراءة سورة تبارك للحديث: (إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له).
4- محاسبة المرء نفسه على أعماله، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته.
5- أن يوصي المسلم بالدعاء له من أقاربه وأصدقائه وأحبائه، ففي الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.
6- صلاة القيام، كما ورد عن أبي هريرة أنه وقف أمام أصحابه يوما، فقال: هل إذا أراد أحدكم سفرا ألا يستعد له؟ قالوا: بلى. قال: فسفر الآخرة أبعد مما تتصورون. قالوا: دلنا على زاده؟ قال: صلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصموا يوما شديدا حره لطول يوم النشور”.
7- الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يستره وأن ينجيه من عذاب القبر.
- أما عن درجة الإيمان،
فإن الإيمان الصادق بوجه عام من أسباب النجاة من عذاب الله تعالى، وظلمة القبر ووحشته، ولا يمكن للإنسان أن يحدد درجة معينة، فالمؤمن هو الذي يشعر بها، ويعلمها بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، فأحسن النية، واجتهد في علاقتك مع ربك، يهبك الله تعالى ما تريد.
- أما التبشير بالجنة،
فهذا ما لا يمكن للإنسان أن يقطع به، فقد ورد أن الشيطان جاء للإمام أحمد بن حنبل وهو على فراش الموت، وقال له: أفلت مني يا أحمد؟ فقال له: ليس بعد، فردد الشيطان كلمته، وكرر الإمام أحمد: ليس بعد، يعني ليس بعد ما دام فيَ رمق من حياة. ومجيء الشيطان هنا يعني وسوسته للإمام أحمد، وليس بمعنى الظهور.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” يعني الموت، فالمسلم يعمل الأعمال الصالحة، ويطيع ربه، ويسعى أن يموت على شهادة التوحيد، وليترك الأمر لله رب العالمين.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق والخير وأن يرزقنا وإياك الطاعة والإيمان، وأن ينجينا وجميع المسلم من ظلمة القبر ووحشته، وأن يبشرنا بجنته قبل الممات، إنه على كل شيء قدير.
اللهم آمين.
- د. مسعود صبري