- السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله تعال وبركاته، شكرا لكم على كل المجهودات التي تبدلونها لخدمة الحيارى من الشباب، قصتي هي كالآتي: قبل شهر رمضان الكريم بأيام شاءت الأقدار أن أتعرف على إنسانة رائعة،كما كنت دائما أتمنى، وبالرغم من أني ظللت مدة مترددا فيها بين الإقبال والإدبار إلا أني حسمت الأمر في النهاية لصالح قلبي.. وعقلي أيضا لأنني اقتنعت بها ليس حبا فقط وإنما أيضا لأن عقلي قبل بها، فهي فتاة على جانب من الثقافة والوعي والأهم في ذلك أنها متدينة وتخاف الله في حركاتها وسكناتها ذلك ما علمته ولا أزكيها على الله.. وسبب ترددي في البداية كان الخوف من المغامرة: مغامرة الزواج فانا لم أكن أحس في دواخلي بالقدرة على تكوين أسرة بالرغم من رغبتي الشديدة في الارتباط إحصانا لنفسي من الوقوع في مزيد من الزلات وأيضا لأني بلغت سنا لا أستطيع فيها الانتظار أكثر (30سنة)، أنا الآن أعمل في شركة خاصة تقوم بإنجاز مشروع معين لصالح الدولة مما يعني سلفا أن الشركة الأجنبية هده سترحل مباشرة بعد نهاية الأشغال وهو ما يعني البطالة المحققة لي حينها، والآن لم يبق على نهاية المشروع سوى سنة أو أكثر بقليل، من ناحيتي وحتى أبرئ ذمتي صارحتها بكل شيء وأخبرتها بالاتي من الأيام ومن البطالة المتوقعة لكنها لا تهتم لكل ذلك وتذكرني دائما بأن الله هو الرزاق.. وما علينا إلا التوكل عليه، لكن كيف أتوكل على الله وأنا لم أعقلها بعد؟ إنني خائف ليس على نفسي بل على من سأتحمل مسؤولياتهم فيما بعد: الزوجة والأطفال… إنني حائر في أمري، صحيح أني في خلال سنة أستطيع فتح بيت والسكن مع بعض وتوفير مستلزماته كاملة لكن مادا عن بعد؟؟ أنها مستعدة كما تقول للعيش معي على شظف العيش والرضا بالقليل.. لكنها لا تُـقدِر أن أول مشاكلها هو مبلغ الكراء الذي إن لم أؤدِّهِ في زمانه سنبيت في الشارع، أو سأضطر للذهاب لمنزل العائلة والدي يكاد يتسع لهم فكيف إن أُضفنا نحن الاثنان هذا ناهيك عن الخلافات المتوقعة بين أسرتي وبين الزوجة مهما بلغ الطرفان من سمو الأخلاق ومكارمها فالصراع أبديٌ بين الحماة وزوجة الابن. والد زوجتي رجل موسر وقد وهب لابنته منزلا كي تستفيد منه في المستقبل، وقد أخبرتني فيما قبل أنه من المحتمل أن يدعوها والدها للسكن فيه رفقتي وقد كنت عارضت الفكرة أنفة من نفسي لأني لم أرض أن أكون في هدا الموقف: موقف المستجدي بل رغبت في أن أبذل من ناحيتي جهدا في تأسيس بيت الزوجية ولكنهم قد أراحوني لأنهم لم يطرحوا الفكرة أصلا.. الآن بعد مضي خمسة أشهر على المسألة.. لم أتقدم خطوة واحدة بالرغم من أني اقتنيت أغلب مستلزمات المنزل إلا أني لم أكترِ المنزل بعد فأنا ما زلت واقفا في مكاني بين الإقدام والإحجام.. ألا أكون بزواجي هذا قد اعتديت على فتاتي هاته؟ فهي (23 سنة) ترى الأمور بوجهة دينية على أساس أن الله يتكفل بالمستقبل، وأيضا فهي تتصرف بعاطفية في الأمر لأنها مجنونة بحبي مثلما أنا متيم بها.. أليس من الخطأ الإقدام على الزواج مع العلم اليقين بما سيقع؟ ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل؟؟ أنا لم اعقلها بعد فكيف أتوكل؟ ولكني في قرارة نفسي أريد الزواج لأنني إن لم أفعل: 1. سأقع في المحظور لا محالة لأني أضعف أمام نفسي أمام إغراءات النساء.. |
- الجواب:
أخي الفاضل
شكر الله تعالى لك هذه النية الطيبة، وهذا التفكير المتميز، وإن لم نوافقك فيه، ولكنه في الحقيقة ينم عن عمق في التفكير، وواقعية في الرأي، وأنك لا تجنح للخيال، مع كونك رومانسيا كما استشففت هذا من رسالتك،
وجميل أن يطير الإنسان بنجاحي العقل والعاطفة في سماء الحب والزواج، ودعني أناقشك:
إن الله تعالى فتح لك طريقا للزواج بفتاة بينكما حب ومودة، واستعداد للعيش سويا، كما يقال على الحلوة والمرة، وتدين من كليكما، وأنت الآن تعمل، وإن كنت تخاف من ألا تجد عملا بعد انتهاء هذه السنة.
وبالنظر للواقع المعاش، ومع سوء الأحوال الاقتصادية، فإن الإنسان قد يكون في حالة من الاستقرار في العمل، فإذا بالشركة تنتكس، أو يحدث لها بعض المعوقات، أو يحدث خلاف بين العامل وصاحب العمل، فيترتب عليه ترك العمل، ولكن ليس بهذا ينقطع رزقه.
إن من رحمة الله تعالى أن جعل الرزق والأجل بيده وحده، وليس لأي إنسان على آخر يد فيها، أو قدرة على رزقه أو قطع رزقه، وفي هذا المعنى يجيء حديث النبي صلى الله عليه وسلم “إن روح القدس (يعني جبريل) نفث في روعي ألا تموت نفس حتى تستوفي زرقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.” يعني لا تطلبوه من حرام، فإن الله تعالى قد قدر لكل إنسان رزقه.
وفي حديث الخلق، الذي يرويه سيدنا ابن مسعود –رضي الله عنه– عن النبي صلى الله عليه وسلم، يوضح الرسول أن كل إنسان يكتب رزقه،وهو مازال جنينا في بطن أمه، لم يتعد المائة والعشرين يوما، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح…).
وإن كان الإسلام يأمر الإنسان بالسعي في الأرض {فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ}، وإن كان الإسلام ينبه المسلم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، ولكن الإسلام في ذات الوقت يغرس في نفوس أبنائه، بل وفي نفوس البشر جميعا أن من خلقهم تكفل برزقهم، وأنه لابد من اليقين أن الله تعالى لن يترك أحدا، مادام يسعى في الأرض.
وفي قضية الرزق هناك شيء مهم، وهو أن رزق الإنسان مكفول له، لن يخرج من الدنيا حتى يأخذه كاملا، ولكنه لا يدري كم هو، وحين يسعى الإنسان إلى الرزق ليتكسبه، فإنما يتعجل من رزقه في الوقت الذي يسعى فيه، ولكنه لن يموت حتى يأخذ كل رزقه الذي كتبه الله تعالى له، والذي لا يعلمه إلا الله.
وأنت الآن تعمل، فما المانع أن تستمع بهذا العام، وتتوكل على الله، وترتبط بهذه الفتاة الطيبة، وخلال هذا العام ابحث عن عمل مناسب لك، وقد يكون ذلك قبل انتهاء المدة، وربما امتد هذا المشروع، وربما جيء بمشروع آخر، ولا تدري، لكن لابد أن توقن أنك لا ترزقك نفسك، وإنما أنت تسعى لأخذ رزق الله تعالى لك، وأن الله الذي خلقك سيرزقك،ولن يتخلى عنك، وهذا الظن الحسن بالله مع الأخذ بالأسباب والسؤال والسعي يجعل الإنسان في راحة من أمره، ويوقن أنه قد عقلها وتوكل، بأخذه بالأسباب التي يقدر عليها، وما لا دخل له فيه، فلا حساب عليه، و{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
إن فتاتك أكثر منك يقينا بالله تعالى في هذه النقطة، فأحسن الظن بربك، فإن الذي خلقك لم ينسك أبدا.
كما أنه لا مانع، إن حدث –لا قدر الله– أنك لم تجد عملا بعد انتهاء هذا العام، فلا بأس بالانتقال لبيت أبيها، أو بيتها الذي وهبها أبوها إياها حتى تتيسر الأمور، وما دام الأمر لم يفتح فلا تتكلم فيه، ولا تتعول عليه، بل اجعل التوكل على الله سبحانه هو المسند الذي تتكئ عليه، ففوض الأمر إلى الله، ودع له سبحانه أن يدبر لك أمرك بما يحب ويرضى، فإنك لا تعلم الغيب، وما يعلم الغيب إلا الله.
أما عما قد يحدث بين العائلتين، فهذا أمر طبيعي، فليست هناك بيوت خاوية من المشكلات، ولكن التعامل مع المشكلات بشكل هادئ وعاقل، هو المخرج بعد التوكل على الله.
كما أني أرى فيك مسحة تشاؤم، فأنت تخاف من الشقة، وتخاف من المشكلات التي قد تحدث بين العائلتين، وتخاف من الرزق، فعلاجك أن تزرع اليقين بالله في قلبك، وأن تجعل التوكل عليه، وحسن الظن به دواءك في مشكلتك.
واستمع إلى ربك في الحديث القدسي الذي يرويه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنا عند حسن ظن عبدي بي”، فأحسن الظن بالله، يكفك الله تعالى همك، ويقضي حاجتك، وادع الله تعالى دائما:
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
اللهم هب لي من الدنيا ما تقني بها فتنتها، وتغنني به عن أهلها، ويكون بلاغا لما هو خير منها.
اللهم دبر لي أمري فإني لا أحسن التدبير.
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى}.
{وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًۭا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًۭا}.
نسأل الله تعالى لك التيسير، وأفرحنا بارتباطك بالفتاة التي أعجبت بها، ولا تنسنا من دعائك.
- د. مسعود صبري