استشاراتالجنس والغرام

مسلمة مراهقة تحب مسيحيا

  • السؤال:
إلى الإخوة الأفاضل

أعانكم الله على مساعدتنا وتقديم النصيحة لنا..

باختصار تعرفت على شاب من أستراليا يتمتع بالأخلاق الحسنة والحس المرهف على عكس كثير من الأجانب. ورغم ذلك لم أكن أود أن أحادثه ولكن لإصراره الشديد وافقت وتبادلنا أطراف الحديث؛ حتى أجد أنه شاب عز على نفسي كفره، وتمنيت لو أنه كان مسلما.

لم تمر أيام كثيرة حتى اعترف لي بحبه الشديد لي، وبصراحة أطلعته على أن حبه لي ليس له أي مستقبل أو هدف. وأنني لم ولن أكون إلا صديقة تطلعه برأيها فيما يريد. استطعت أن أتفهم منه معنى الحب في نظره. وعلى غير العادة فوجئت بأنه أحبني حب النفس وليس الشهوة وأنه لا يريد مني إلا أن أسلمه مفاتيح قلبي دون أي مقابل.

أطلعته على أن الحب في الإسلام يتوِّجه الرباط المقدس الذي منحنا الله إياه حتى نحيا حياة الإنسان المكرم. وفوجئت بعد حديث طويل في هذا الموضوع بأنه يعرض علي الزواج وبجدية.

أخبرته أن هذا لا يجوز، ولكنه لم يدرك ما أرمي إليه البتة. وأخبرته صراحة أنه لا يجوز لمسلمة أن تتزوج من مسيحي. ولكن العكس يجوز حتى وإن كان هذا لا يمثل له أي مشكلة.

أخبرني اليوم التالي عن عائلته. مما يعني في عرف الغرب النية الصادقة للزواج. وسألته إن كان أخبر والدته بهذا أم لا، فأخبرني أنه أخبرها وقالت له: إن هذا لا يجوز. ولكنه قال لها: إنه لا يستطيع العيش في تلك الحياة بدوني.

كما أخبرني أيضا بأنه أصيب بارتفاع في درجات الحرارة بسبب انشغال عقله طوال الليل. فهو الآن محتار لا يعرف حتى إن كانت ديانة والديه تتعمق في قلبه أم أنه وجد نفسه هكذا في الحياة.

استطعت والحمد لله أن أساعده في التفكير حتى يتعرف على الإسلام أكثر، ويرى إن كان هذا الدين هو ما سيحل ألغاز نفسه ويساعده أم لا.

وعن نفسي أسعى جاهدة لأن أريه جمال المرأة المسلمة في حديثها وحبها وولائها وقوة إيمانها بالله وقدره؛ حتى يستطيع أن يقارن بينها وبين فتاة الغرب في عقله.

أما هو فهو الآن متيم بي وبديني الذي استحثه في حديثي وأن أبين له أن ذلك الدين هو ما جعلني هكذا. ساعدوني أن أجد معلومات بالإنجليزية تعينه على معرفة الإسلام. وعلموني: كيف أحبه حبا خالصا لله.

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة:

يزداد يقيني كل يوم بحجم التشابكات التي تحدث في حياتنا بسبب التطورات المتلاحقة في عالم الإنترنت، وتقريب المسافات البعيدة. مما أفرز عنها ارتباط العلاقة بين عالمين كان كل منهما يعد الآخر عالما بعيدا عنه، بعيدا في معتقده، بعيدا عن فكره، بعيدا في عاداته وتقاليده.

 

وها هي ذي الحضارات تلتحم، والعلاقات تتشابك بشكل متطور، وفي حسبي أن حجم التشابك الاجتماعي سيزداد أكثر وأكثر، والانفتاح على العقيدة والدين أيضا، مما سيحدث تغييرا في العقيدة عند عدد غير قليل من الناس، وهذا يعني أن صراع الحضارات سيأخذ شكلا جديدا، يجب علينا أن ندرسه جيدا، وأن ندرك أبعاده وحدوده، وأن نعد العدة له بالشكل المناسب له، مما يحقق جهدا في سبيل تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى على أرضه وبين خلقه.

 

ومع كون عالم الإنترنت حقيقة نعيشها كل يوم، ولكنه واقع أشبه بالخيال. فكم من العلاقات أنشئت عليه، ولكن يمكن بقطع الوسيلة ينتهي كل شيء، وكأنه سراب، لا أدري كيف يتم الحب الصادق بين شاب وفتاة عبر هذه الآلة، بين فتاة من مصر، وشاب من استراليا، لم ير أحد منهما الآخر، حتى لو رآها عبر  الكاميرا “webcam”، فإن الكاميرا لا تعطي صورة صادقة للإنسان، فضلا عن أن تكون المكالمات على هيئة كتابة فقط، أو بالكتابة والصوت.

 

إن الزواج يتطلب أن يعرف كل من الشخصين الآخر عن قرب، يراه كلية بشحمه ولحمه، فإن النظر القريب هو الرؤية الصادقة لتحديد صلاح الزواج من عدمه، ويجب أن نكون صادقين في مناقشة أمورنا، فالراحة النفسية عبر آلة الإنترنت لا تصلح معيارا لمعرفة الحب من عدمه.

 

ولكن ما يحدث هو راحة نفسية، أو يمكن أن أسميه بشكل صريح “تنفيس عن المشاعر”، فكل منكما ينفس عن مشاعره مع الآخر، فيتولد عن ذلك نوع من الراحة، ولأن الكلام حلو وعذب، فتجدين نفسك تشتاقين إليه، ويشتاق إليك، فتحبين حديثه ويحب حديثك، وكل منكما يبث كلمات الحب الالكتروني عبر تلك الآلة الخادعة للمشاعر، وربما تكون صدمة لو تقابلتما.

 

غير أن هذه الآلة وحدها لا تعد سبيلا حقيقية للتعارف بين اثنين سينشآن حياة زوجية. بل في واقعنا نعيب على كثير من الخطاب أنهم ينشغلون بالجانب العاطفي ولا يفكرون في الجوانب الأخرى من الشخصية التي يريد الارتباط بها. فإذا بهم يتمون الزواج، وبعد المكاشفة والمصارحة والحياة عن قرب تأتي الكوارث. ويأتي التفكير في الطلاق لعدم الوفاق.

 

فكيف يكون التعارف عبر الإنترنت سببا وحيدا في الارتباط؟ وبالطبع لبعد المسافة لن تكون هناك فرصة للتعارف، يعني ستكون زيارات قصيرة، لأخذ قرار ولإتمام العقد، هذا من الناحية الاجتماعية.

 

أما من الناحية الشرعية، فإني أكبر فيك تمسكك بدينك، واعتزازك به، وأن الحب مهما وصل من درجته بين المحبوبين، فهناك خطوط لا تتعدى، وأصول لا يجب تجاوزها. وكما قال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}(الطلاق:1).

 

فالتزامك بدينك وإيمانك أمر يقيني، وحبك له قد يكون عارضا. وقد يكون حقيقيا، يعني أنه لن يصل لدرجة اليقين بالنسبة للدين. فلا يقدم المظنون فيه على المقطوع بالإيمان به، فكم أنا سعيد بموقفك هذا، فاتباع المشاعر وحدها دون التعقل والضبط مهلكة للمرء أي مهلكة.

 

وقد نعى الله تعالى على الذين يتبعون هواهم بلا ضابط، كما قال سبحانه {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص:50)، وكما قال الإمام علي – كرم الله وجهه-: “الهوى شر إله عبد”. بل إن المؤمن الصادق يجعل هواه يسوقه إلى طاعة الله، فذلك هو خير الهوى.

 

فلتثبتي على هذا الأمر، ولا تجعليه مطروحا للنقاش من أي مخلوق كان، فأنت أمة الله تعالى، والله تعالى يجب أن يقدم على كل شيء، كما قال سبحانه:{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة:24).

 

أما عن سعيك لإسلامه، فهو سعي محمود، نحسب أنك تثابين به عند الله سبحانه وتعالى إن خلصت النوايا، ولم يكن لنفوسنا فيه حظ يطلب من هذا الفعل. ولكن يجب أن نفرق بين حبه للإسلام واطلاعه عليه، وتشوقه له – إن كان هذا موجودا-،وبين الزواج بك.

 

فمن الخير له أن يرزق التوحيد الخالص لله، غير أن هذا يعني أنه سيكون مناسبا لك في الزواج، فكم من المسلمين لا يصلحون أن يكونوا أزواجنا لك وقلوبهم ممتلئة بتوحيد الله، بل وكم من الملتزمين لا يصلحون أيضا أن يكونوا أزواجا لك.

 

فالزواج سنة فطرية اجتماعية تحوطها ضوابط شرعية، حتى تسير في الجهة الصحيحة في مصلحة الإنسان، بناء على أن كل تشريعات الإسلام مبنية على مصلحة الناس وعيشهم، فهناك خلط بين دعوتك له للإسلام، وبين كونه يصلح لك زوجا أم لا.

 

وإن ذكر لنا التاريخ قصة أم سليم، حين قالت لأبي سليم: إن مثلك لا يرد، ولكني مسلمة وأنت رجل مشرك، فإن أسلمت فذاك مهري. فإنها كانت تعيش معه في المجتمع عن قرب، عرفت أخلاقه وتصرفاته، فهي قد خبرته بحق، أما أنت فلم تخبري إلا هذا الجو العاطفي من خلال الإنترنت، أما ما سوى هذا فمعلوماتك عنه ضعيفة.

 

ثم لو قدر وأسلم، ألا ترين أنه قد يكون هناك اختلاف في العادات والتقاليد وأساليب التفكير والعيش، وماذا لو أعلن إسلامه، وتزوجك وذهب بك إلى بلده، وقد يحدث هناك ضغوط من والديه عليه، فيرتد، فماذا تصنعين ساعتها في بلدة أنت فيها غريبة لا أهل لك ولا أصحاب؟

 

أختي الفاضلة:

تمهلي ولا تجعلي عاطفتك تسوقك إلى ما يضرك، ولكن فكري جيدا، وكوني كالطائر يطير بجناحي العقل والعاطفة، واجعلي الميزان الذي يحكمنا دائما هو ميزان الشرع، وليس في شباب المسلمين قلة حتى تفكري في شاب على غير ملة الإسلام، فلا تنظري جهازك ولا “شاتك”، ولا تلك الشبكة العنكبوتية.

 

ولكن ارفعي رأسك، وانظري حولك، وعيشي واقعك، لتكون رؤيتك أوسع أفقا، وتفكيرك أكثر نضجا. وحين ترين عالمك كله؛ ساعتها يمكن لك أن تحكمي على فعل واحد من حياتك تفعلينه، وتدركين إلى أين أنت سائرة، وماذا تريدين، ومن ترك شيئا عوضه الله تعالى خيرا منه.

 

استعيني بالله، واستغيثي بالله، وتعلقي بحبله ودينه، وكوني معه دائما، ليهبك في كل حين قارب النجاة، ويدلك على طريق السعادة.

وفقك الله لما يحب ويرضى، ووافقينا بأخبارك، فنحن إخوتك ومعك دائما

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى