استشاراتالشبهات

تغير الضمير في خطاب القرآن

  • السؤال:
من قراءة القرآن تشعر في بعض الآيات أن هناك تدخلا مباشرا من الله وأن هذه الآيات أنزلت من الله مباشره في تلك اللحظة وأن سيدنا جبريل كان ناقلا فوريا وبلسان القائل بدون تغير بالضمير المخاطب وهناك آيات ينزلها جبريل في أمور لا يستوجب فيها الخطاب المباشر بل غير مباشر.. نرجو التوضيح؟ شكرا.

 

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة:
شكر الله تعالى لك على سؤالك، فهو سؤال مهم في الحقيقة.

وفي الحقيقة ليس عندنا بالطبع ما نزل به جبريل من القرآن على الرسول وما لم ينزل به، فكل القرآن أنزله الله تعالى على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل، كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ}. وليس لجبريل عليه السلام إلا النقل لمحمد صلى الله عليه وسلم.

 

  • أما هذا التنوع في الخطاب بين المباشرة وغير المباشرة،

فهو من بلاغات القرآن الكريم، والتي تحدث ثراء للمعاني القرآنية، ولعل بعدنا السحيق عن اللغة العربية لغة القرآن هو الذي أحدث لنا هذا التساؤل أو تلك الشبهة، ولكن العرب الذين عاشوا اللغة العربية وتذوقوها يدركون أساليب اللغة، ويدركون مراميها وأهدافها.

أما الزعم بأن بعض القرآن كان ينزل مباشرة من الله، ينقله جبريل في لحظته وتوه على الرسول، فيظهر الخطاب مباشرا، وأن غيره كان يمكث فترة فتظهر فيه عدم المباشرة، فهذا كلام تعوزه الصحة.
ولكن كما يقول علماء علوم القرآن:

  • إن نزول القرآن له شكلان:

الأول: ما كان له سبب نزول، مثل المرأة التي اشتكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لها: أنت علي كظهر أمي، وكان ذلك من صيغ الطلاق في الجاهلية، ولما راجعت المرأة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجد إلا أن يفتي لها بالطلاق، فحزنت لأجل أولادها الذين قد يضيعون، فاشتكت إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى صدر سورة المجادِلة، وسميت الصورة بالمجادِلة، وهي على قراءتين، إما على المصدرية، إشارة إلى الحدث، أو المجادِلة، على أنها اسم فاعل، إشارة إلى السائلة، وغير ذلك مما كان له سبب نزول، فنزلت الآية أو الآيات عقب الحدث، مع الوضع في الحسبان أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الثاني: وهو ما نزل ابتداء من الله تعالى دون أن يكون هناك سبب، وهذا كثير في القرآن،ومنه آيات الأوامر والنواهي في وجهها العام، ومنها أيضا غالب القصص القرآني، وغير ذلك.

ولأجل هذا قد نجد أن الخطاب متنوع، وليس متناقضا، وهو حسب ما أفهم من العربية يحدث ثراء وغنى في اللغة، كما أنه من الأساليب البلاغية التي نحن في حاجة إلى دراستها.

وفقنا الله تعالى لعلم أسرار كتابه ومقاصده وأهدافه، والعمل به والإخلاص في العمل، ونسأله أن ينزل عنا كل شبهة بالإيمان الصادق، والعلم النافع.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى