استشاراتالدعوة

هاجس الخوف من الرياء

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أسألكم يا من تقفون على مساعده الآخرين أرجو الله أن يكون عونا لكم أنى كنتم.. أورد إليكم مشكلتي. مشكلتي تكمن في إيماني!!

نعم فأنا والحمد لله لي نشاطات دينية فائقة وقد حولت الطابع العام لمدرسة بأكملها إلى مدرسة مختلفة تماما تتصف بالطابع الديني حتى بلغ الأثر أهالي الطالبات ومن هو بخارج المدرسة بحول الله ولي وقع عظيم بطالباتي وزميلاتي، لكن المشكلة تكمن كما بنفسي فأنا في أوقات معينه أصل لحالة من التراخي والركود بسبب تفكيري هل أنا حقا مؤمنة وتقية كما أتظاهر أم أنني أخدع نفسي وأتصنع ذلك رغبة بالشهرة وأجلس مع نفسي وقتا طويلا أحاورها وأناقضها حتى أن عملي يقل ونفع للناس يتضاءل ولا أدري حقا ما هي الحقيقة؟

ولكن لو تساءلت لماذا هذا التفكير ومن أين أتى فأقول أن من بين الأسباب أني أرى عند كثير من المدعويين إيمانا يفوقني بل لا أدري أشعر أن ذلك هو الإيمان الحق وحين أعرف أخوات بالله يعملن بمجال الدعوة أجدهن أصدق إيمانا مني؟ هكذا أشعر ويظهر ذلك جليا بأكثر تعاملي معهن ومن خلال علاقتي فأشعر بأني بحالة مزرية إذا قارنت نفسي بمن تقوم الساعة والساعتين من ليلها ومن تفعل و…و…و…

ومع ذلك أجدهن يشعرن بالتقصير والتفريط في حق الله ويلمن أنفسهن فأنقم على نفسي وعلى قباحتها؟ باختصار أنا أن قارنت نفسي بغيري احتقرتها وازدريتها وشككت بإيماني لأنني أقل إيمانا منهن وأشعر براحة ورضا وأني على خير وهن يشعرن بأنهن مفرطات ومقصرات ويطلبن من الله أن يصلحهن وأن يتقبل أعمالهن ومنهن من أخالطها وأعلم أنها والله حسيبها على خير كثير وخلطتي لها كثيرة جدا، ولكنها تشعر دائما بأنها آخر أهل الجنة دخولا بذنوبها ودائما تحقر عملها وتستزيد من الخير فتذكرني وأمثالها أنها ممن قال الله فيهم “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” وإني لست من ذاك الصنف وكم أمنى أن لا أكون غررت بإيماني وبعملي المتواضع لأني أغير بمن حولي وأهل الخير يشعرون براحة في التعامل معي.

وأنا والحمد لله أوشك ختم كتاب الله ولا أحب الغيبة ولا النميمة ولا الحسد وصاحبة صدقة ودعاء وقيام ليل لكني لا أطيل ولا أزيد عن نص ساعة لكني قليلة الذكر ومقصرة بكثير كثير كثير من العبادات وأشعر بأحيان أني أقوم الليل بتثاقل مما يشعرني بالنفاق وخاصة حين أتثاقل هن الذكر وأحيانا تكون صلاتي والحمد لله جيدة لكنها بأحيان كثيرة تصبح صلاة مقصر وللخشوع فيها وهذا كله مما يشعرني بأن الإيمان ليس صادقا، ولكن أرجوكم أن تداولي فهمي فكلماتي مشتته ويصعب فهم ما أريد لأن لا أفهم ما أريد تماما وإن حاولت التقريب وأخشى أن يكون سبب ما بي هو دخول رياء بقلبي أو دخول عجب بالنفس مما يسبب إهمالا بالطاعات واطمئنان للعمل وجزيتم خيرا. 

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة:
نحمد الله تعالى أنه ما زال في هذه الأمة بقية خير من إيمان، واعلمي أختي الفاضلة أن الله تعالى رزقا إيمانا نحسبه صادقا، فشعور المسلم مع كل ما يعمله من أعمال صالحة أنه مقصر، وأنه يخشى الرياء على نفسه، فهذا دليل إيمان عند صاحبه.
اسمحي لي أختي أن أناقشك في بعض الأمور:

 

  • أولا: من الخطأ أن نعتقد أن الإيمان عبادات وحسب،

فالإيمان عقيدة وعبادة وسلوك وخلق، ومن أراد أن يزيد إيمانه، وأن يجعله قويا فليحافظ على هذا المربع الإيماني، فيصحح عقيدته وعلاقته بربه سبحانه وتعالى، وليجتهد – قدر استطاعته – في عبادته، وليتحل بالأخلاق الفاضلة، وليتعامل مع غيره من إخوانه وأخواته بالمعاملة الحسنة، إن أي خلل في ركن من الأركان الأربعة يصيب الإيمان بالعطب، ويجعل مجروحا يحتاج إلى دواء، والأركان الأربعة يجب أن تكون كلها لله، فالعقيدة بين العبد وربه، والعبادة من العبد لربه، والخلق يتحلى به الإنسان، والسلوك يتعامل به مع غيره، ولكن لابد أن يكون الجميع لله رب العالمين.

 

  • ثانيا: إن المقصود أن يتحقق في المسلم قدرا من هذه الأربعة،

فالمهم في العقيدة هي العقائد الأساسية التي جاء الكتاب والسنة الصحيحة بها، وما أجمع عليه العلماء من التوحيد والإيمان بأركانه الستة وغيرها من أصول العقيدة، والعبادة يطلب من المسلم ما افترضه الله تعالى عليه، ثم تأتي الأخلاق والسلوكيات، لتوجب على الإنسان أن يتخلى بالأخلاق الفاضلة، ويتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وأن يكون سلوكه طيبا مع غيره من المسلمين وغير المسلمين.

وفي هذا وذاك هناك مساحات من النوافل التي جاء الحديث القدسي بفضله: “وما تقرب عبدي إلى بشيء أحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي بمشي عليها، لئن سألني لأعطينه، لئن استعاذ بي لأعيذنه”.

ومن ذلك نوافل العبادات، ويبدو أن كثيرا من الناس أعطى النوافل في العبادات مساحات تفوق فرائض الأخلاق والسلوك، مع كون الصدق أمرا واجبا، والأمانة واجبة، لكن ننشغل عنها بنوافل العبادات.

ولكي يحافظ الإنسان على إيمانه يجب عليه أن يطبق مساحات الفرائض أولا، ثم بعد ذلك يطبق مساحات النوافل.

ولذا جاء في الحديث عن المرأة التي تكثر من النوافل غير أنها تؤذي جيرانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هي في النار”، وعن المرأة التي تقل من النوافل غير أنها تحسن إلى جيرانها، فقال: “هي في الجنة “، لأن المرأة الأولى قصرت في الفرائض واهتمت بالنوافل، أما الثانية، فإنها طبقت الفرائض في كل المساحات، ولم تحرم نفسها من بعض النوافل، وهذا هو المطلوب.

وفي مساحات النوافل تختلف النفوس، ولذا فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن للجنة ثمانية أبواب، فهذا يدخل من باب الصلاة، وذاك يدخل من باب الصدقة، وثالث يدخل من باب الجهاد، ورابع يدخل من باب القرآن، وهكذا.

وهذا يعني أن الواجب على المسلم أن يطبق الفرائض كلها في مساحاتها المختلفة من العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك، ثم له أن ينشط في بعض النوافل دون أن يحرم نفسه من النوافل الأخرى وإن كان مقلا.

ومن الجميل أن يغار المسلم من أخيه المسلم حين يراه أكثر منه عبادة، وأن يسعى جاهدا ليلحق بركب الصالحين.

ولكن لا يدفع الإنسان أنه يرى نفسه مقصرا في شيء أن يقعد عما امتاز به عن غيره، فربما كانت الدعوة من الأبواب التي حباك الله تعالى إياها، ولم يعطها لغيرك كما أعطاك إياها، فأنت تميزت عن غيرك بها، وتميز غيرك عنك بأشياء، فليكن هذا التميز موجودا، مع عدم كل جانب مما عند الآخر.

وقد وزع الله تعالى الأرزاق، وقسم المواهب، وكما قال تعالى: “ولا يزالون مختلفين”. ولكن لو كان هناك جوانب نقص في نفسك، فاسعي إلى إكمالها، والزمن جزء من العلاج، وحددي ما ينقصك في نفسك، واسعي إلى استكماله، ولكن لا تجعلي الشيطان يوسوس لك ويقعدك عن الخير الذي ميزك الله تعالى به، بل عودي أكثر نشاطا في الدعوة، وتذكري قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًۭا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ}، واجعلي الطاعة زادك لدعوتك إلى الله تعالى.

حفظك الله تعالى من كل شر، وتقبل منك صالح الأعمال، وقربك منه سبحانه وتعالى.
وتابعينا بأخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى