استشاراتالدعوة

تفسير حديثين للدعاة

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، أما بعد:

فدور الداعية أن يكون مبشرا ونذيرا كما كانت الرسل أجمعين وأن يكون وسطا بين الكفتين ولا يركن بالناس لإحداهما، إلا أني عندما أقف أمام حديث الرجل المسيء الذي يخرج الله له في النهاية بطاقة “لا إله إلا الله”، وحديث المفلس الذي يأخذ في النهاية من خطايا أصحاب الحقوق فيلقى بها في النار لا أعرف كيف أوفق بينهما وأخاف أن يكون حديث البطاقة هذا داعيا إلى ركون الناس عن تقصيرهم في التوبة عن المعاصي.

لذا أرجو من سيادتكم توضيح الفقه من وراء هذين الحديثين وكيف نخاطب بهما الناس؟ وجزاكم الله خيرا.

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل، شكر الله تعالى لك حرصك وخوفك على الناس؛ فالداعية طبيب للناس يكون دائم الحرص عليهم، يرجو دائما لهم أن يكونوا حسن الصلة بالله تعالى.

أخي الفاضل، وإن كان هذا السؤال هو أقرب إلى صفحة الفتاوى، للتوفيق بين الحديثين، ولكن طرحك له في إطار الدعوة، وأنه من الأمور التي قد يتسلح بها الداعية، فآذن لنفسي أن أجيبك عليه، فأقول:

إن حديث المفلس يدعو المسلم -فضلا عن الداعية- ألا يهدم ما يبني؛ فتعاليم الإسلام ليست بالمتناقضة، كما أنه يطلب من المسلم والداعية على وجه الخصوص أن يكون لما يطيقه من الإسلام أثر عليه في حياته، وأن ينسحب هذا الأثر على جميع أفعاله، بل أشم من الحديث معنى أظنني فيه صائبا، وهو أن الحديث يحمل معنى شمولية الإسلام، وأن الإسلام يجب أن يطبقه الإنسان في جميع حياته، وأنه لا فصل بين العقائد والعبادات وبين الأخلاق والسلوكيات، فكلها من الدين.

بل يلحظ الإنسان أن ثواب الأخلاق والسلوكيات المترددة في كثير من الأحاديث قد تفوق كثيرا من نوافل العبادات، فدخول المرأة النار في هرة، ودخول امرأة بغي الجنة لسقيها كلب في رواية، وفي رواية أخرى أنه رجل، وحديث المرأتين؛ التي تتعبد كثيرا وتؤذي جيرانها، كانت في النار، والتي تكتفي بالفرائض مع حسن الخلق تكون في الجنة.

وهذا يعني أن يأخذ الإنسان الدين كله، لا جزءه، وألا نكون كبني إسرائيل أخذوا من الدين ما وافق هواهم، وتركوا ما كرهوه منه؛ فالإسلام يعني الاستسلام لأمر الله، والمفلس من أحسن في جزء من الدين، وهدم الجزء الآخر منه.

أما حديث البطاقة، فهو يخص جزءا من الدين، وهو العقيدة، وأفهم منه تعلية شأن التوحيد؛ لأنه أصل الدين، وأنه الأساس؛ فقيام الإنسان بالعبادات مع الخلل في العقيدة لا يفيده، ولكن وجود العقيدة مع التقصير في العبادة يفيده، ولم يذكر الحديث أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة من أول وهلة، فليس كل من يدخل الجنة يدخلها مع أول زمرة، بل هناك من الناس من يعذب في النار، لا نعلم مدة تعذيبه، ثم ينجيه الله تعالى، ولو جمعنا مع حديث البطاقة حديث: “أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان” لكان فهم حديث البطاقة مع هذا الحديث أوفق.

فلا يغتر كل من ينطق بالشهادة أنه سيدخل الجنة سريعا، بل ربما عذب عددا من السنين لا يعلمها إلا الله، ثم ينجيه الله، وعلى هذا ففي خطاب الدعاة يجب أن يعوا فقه الأحاديث التي يذكرونها، وأن يرجعوا فيها إلى أقوال العلماء حتى يعرفوا فقهها.

ومن جميل ما يذكره العلماء أن للشهادة مقتضيات، يعني أن من كان ينطق بالشهادة وينكر معلوما من الدين بالضرورة، حكم عليه بالكفر، وساعتها يكون نطقه بالشهادة غير نافع له، ولو استحضرنا المعنى الذي أشير إليه في حديث المفلس، وهو أخذ الإسلام بالكلية، فحديث البطاقة يعني أخذ الإيمان أيضا بالكلية، وألا يقتصر فهم حديث البطاقة على مجرد الذكر اللساني، مع استصحاب أن الحديث ذكر أن الإيمان والتوحيد ينفي عن الإنسان الخلود في النار، لكنه لم ينف عنه دخولها، إذا أتى ما يستحق به العقاب، والأمر موكول لله تعالى، إن شاء عفا عنه برحمته، وإن شاء عذبه بعدله.

ولكن على الإخوة الدعاة أن يخاطبوا الناس ألا تكون العلاقة بينهم وبين ربهم فعل ما يمكن أن ينجيهم، بل يجب أن نربط الناس بالله تعالى، وأن نسعى لتوثيق الصلة به، وألا نعامل الله تعالى بهذا الميزان الحساس؛ لأنه لو صنعنا ذلك فإنا خاسرون، وقد قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}.

وربما كان في سؤالك هذا أخي لفت لما يعرف بثقافة الداعية، فيما يخص الحديث النبوي، وأن علينا أن نقرأ الأحاديث جيدا، حتى نبلغها للناس بشكل صحيح. جزاك الله خيرا، ونفع بك، ولا تنسنا من صالح دعائك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى