- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لا أعرف كيف أبدأ كلامي.. أنا من أهل العراق وأنتم في غنى عن معرفة أوضاعنا السيئة التي تسوء كل يوم وأحوال السملمين أيضا. ما أردت معرفته كيف يمكننا مساعدة أخواننا المسلمين التضررين مثلا رأيت صور لاطفال نيجيريا على النت بموقعكم لم أستطع حبس دموعي ثم أرى أوضاعنا هنا ثم أقرأ عن النساء في الشيشان وأفغانستان.. لماذا يحصل لنا كل هذا هل هو بسبب ابتعادنا عن الدين أم أنه امتحان ؟؟ وأريد منكم كلمة تشجعنا ولو قليلا بعض الاحيان نصاب باحباط فظيع كل بلاد المسلمين مفجوعة ومصابة بالذل. |
- الجواب:
الأخت الفاضلة:
ما أملك إلا أن أقول: “الله أكبر”، أمتنا بخير، وهذا ما جاء في الأثر: “الخير باق في أمتي إلى يوم القيامة”، ومع هذا لا ننكر ما تعيشه أمتنا من وهن وضعف. وغالبا ما نرد السبب إلى ابتعادنا عن الدين، وهذا صحيح بلا شك، ولكن فهم الناس لهذه العبارة هو الابتعاد عن العبادة وارتكاب الحرام، وهذا جزء، غير أن أمة الإسلام بما فيها من وهن وضعف، فهي أعبد أمة لله تعالى، وليس في تاريخ الإنسانية أمة تعبدت لربها، والتزمت شرعه مثل أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا يعني أنه يجب علينا أن نفكر ماذا يعني ابتعادنا عن الدين، جزء من ارتكاب المعاصي، وجزء آخر هو سوء الفهم لطبيعة الدين، وسوء التطبيق في الواقع، والابتعاد عن السنن الكونية. فالمسلمون لا يعيشون في هذه الدنيا في دور العبادة، فيصلون ويصومون ويحجون البيت فحسب، بل واجب عليهم تعمير الأرض برسالة التوحيد الخالص بشكل عملي، وهذا يعني أن يفهموا حتى تسير الأمور في الدنيا، كيف يبنوا حضارة كما فعل أسلافهم؟ ما هي سنن الله تعالى التي يقيم عليها الكون حتى يأخذوا بها ؟
إن عندنا في تأليف الكتب الشرعية ما يفوق ما ألفه أسلافنا السابقون، غير أننا إن برعنا في فقه الأحكام، لكننا لم نبرع في فقه التاريخ، وفقه النفوس، وهذا ما نحتاج إليه.
كما أن ما يحدث هو دورة من التاريخ الإنساني، فالأمة تقوى وتضعف، تقترب وتبتعد، تلك سنة الله، ولكنها لن تستمر مهزومة، لأنها تملك أسباب القوة في نفسها، ودينها هو دين القوة والانتشار ذاتيا، وهذا يعني أن مقومات الحضارة والسيادة للمسلمين أكثر من غيرهم، بشرط أن يقوموا بها، وأن يفيقوا من ثباتهم، وهذا سيكون بنص القرآن الكريم: {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ}.
وما يحدث الآن من جهاد في أرض العراق، ومن الخسائر الأمريكية الغير معلنة هو نوع من البشائر، ففقدان الاحتلال السيطرة على البلاد هو انتصار في حد ذاته، وما يحدث من مقاومة في فلسطين هو انتصار، وإن قيل: فلماذا يهزم المسلمون من البداية، فهذه قضية متشابكة، نحن جزء كبير فيها، وتلعب الخيانة جزءا آخر، غير أن المسلمين في تاريخ الإسلام هزموا، فهزموا يوم أحد، وهزموا يوم حنين لولا أن الله سلم، وهزموا في معارك، فهذا شيء تاريخي، ليس هناك أمة تغلب دائما، بل كما قال تعالى: {وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ}.
المهم أن نسعى على قدر جهدنا، والدنيا ليست سوادا كما نتصورها، فالحضارات المنتصرة هي حضارات متهالكة في داخلها كما ينطق بذلك بعض أبنائها، وأنها إلى زوال، لأن هذه سنة الله، ولكن علينا أن نفعل ما نقدر عليه، وأن نحسن العلاقة بيننا وبين الله تعالى، فحين نجمع بين خشية القلب، وصفاء النفس، وعمل اليد، وإعمال العقل، والسعي لتحقيق رسالة التعمير في الأرض، فساعتها يعود للمسلمين مجدهم وعزهم، وسيكون يوما بوعد الله.
والإسلام رغم كل هذا ينتشر وحده، ويتوغل في ديار تكرهه، ولكنها تقره رغما عنها، وإن حاولت محوه، فهذا ضرب من السراب، فالإسلام قادم لا محالة.
ولكن: لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ، وهذا يتطلب منا جهدا في الدعوة والدعم والإغاثة من الاستعانة بالله أن يوفقنا لإقامة توحيده على أرضه.
جزاك الله خيرا، وأهلا بك دائما معنا.
- د. مسعود صبري