- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إخوتي في الله، أقرأ كثيرا من استشاراتكم التي أفادتني كثيرا في حياتي؛ فجزاكم الله خيرا، وأكثر الله من أمثالكم، وأثابكم كل الثواب. مشكلتي هو أنني أعلم – الحلول لكثير من مشاكلي الدنيوية (العمل، والزواج، والأبناء..) والإيمانية والأخلاقية، لكن لا أستطيع الالتزام بها ويغلبني هوى نفسي؛ فأنا لا أستطيع إرغام نفسي على شيء والثبات على فعله لمدة تفوق الأسبوع. مثلا أعاهد نفسي على الصلاة في أول وقتها وأستمر على ذلك قرابة الأسبوع، ثم أؤخرها عن وقت الثواب (لكن أبدا إلى خروج الوقت) وكذلك صلاة الفجر وباستثناء رمضان لم أكمل قط شهرا من الالتزام بوقتها؛ فأنا دائمة السقوط بعد المحاولة في كل أموري. وهو شيء يعذبني كثيرا ويؤدي بي إلى الإحباط الدائم. أحاول أن أصوم لكي أعلم نفسي الصبر، لكن لا أستطيع أن أكمل اليوم، وأفطر في منتصف اليوم أو أنام معظمه. أخطط لحياتي وأولادي وأضع البرنامج تلو الآخر وأبدأ في تطبيقه، لكن لا أكمل وأصاب بالوهن.. قرأت كثيرا في كتب السلف كيف كانوا يعاقبون أنفسهم عن كل تقصير ويرغمونها على الاستقامة لكنني لا أستطيع؟ أتوسل إليكم أن تساعدوني وترشدوني إلى كيفية التغلب على نفسي وتربيتها؟ وجزاكم الله عنى كل الخير. |
- الجواب:
الأخت الفاضلة، شكر الله تعالى لك الثناء الجميل، ونسأل الله تعالى أن نكون خيرا مما تظنين، وأن يغفر لنا ما لا تعلمين، وأن يجعلنا دائما عند حسن الظن.
ربما تكون إجابتي على سؤالك كلاما مخالفا لما قد يقوله كثير من الناس، ولكن اسمحي لي أن أقوله، فإني ما نطقت لك إلا أني ناصح أمين.
في قضية الالتزام والتدين، من المهم جدا أن يستنفر الإنسان نفسه كما يظهر من سؤالك، ولكن الواجب علينا في ديننا الالتزام بما أوجبه الله تعالى علينا، فهذا يجب أن يتساوى فيه الناس جميعا، وهذه الفرائض التي فرضها الله تعالى على عباده في مقدور كل الناس أن يفعلوها بشيء من اليسر والسهولة؛ فالله تعالى كما قال: {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ورحمة الله تعالى تجعل من المستحيل أن يفرض الرحيم على عباده الضعفاء ما لا مقدرة لهم عليه، وهنا يبقى السؤال: لماذا لا يمكن للناس أن تأتي ما افترض الله تعالى عليهم، ما دام ذلك في مقدروهم؟
أقول: هذا وهم من الناس، نحن الذين نعيش حياتنا بما أعطانا الله تعالى من قدرة، أرأيت كيف يجد الطالب نفسه مقتدرا على التهام عشرات الصفحات مذاكرة قبل بدء الامتحان، مع كونه لم يكن يستطيع ذلك في الأيام المعتادة، مع أن أحدا لم يقل له: استنفر قواك، هذا يعني أن أول شيء من الوسائل التي تعين على الهمة العالية هو إزالة غشاء العجز عن عيوننا، لا نقول: لا أستطيع، بل نقول: فعلت ونجحت بنسبة كذا %، وفي المرة الثانية سأكون أفضل، وسأزيد النسبة، إن الإنسان لو حصل في شيء على نسبة 30%، له أن ينظر للأمر من ناحيتين، يقول: خسرت 70%، ويمكن أن يقول: نجحت بنسبة 30%، وأنا أطلب منك أن تنظري للنجاح دائما، وأن تستكملي ما يجب عليك من الفرائض.
أما في غير الفرائض من الصيام وغيره فيجب أن ينظر الإنسان إلى نفسه، وهذا الكلام الذي كنت أقصد أنه قد يكون مختلفا، وهو أنه في السنن من الأولى ألا يحرم الإنسان نفسه منها، ولكن لا يشترط أن يداوم عليها، فإن كان الصيام يجعلك تنامين مثلا فيمكن لك البحث عن طاعات أخرى تزيد إيمانك.
كما أنه يجب عليك أن تعرفي نفسك جيدا، أن تنظري ما يوافقك من الطاعات، وكما قيل: خير العمل ما وافق الشرع والهوى، ولعلنا نجد مصداق ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره: إن للجنة ثمانية أبواب، فهذا يدخل من باب الصلاة، وكذا يدخل من باب الصوم.. إلخ، يعني أن الإنسان يفضل بعض الطاعات بما يوافق نفسه وهواه مما هو من النوافل والسنن، وليس من الفرائض الواجبات، فانظري في نفسك.
وحاولي أن تتعاوني مع غيرك كالزوج أو بعض الأخوات، فإن الإنسان في كثير من الأحيان يحتاج إلى من يساعده ويشد من أزره، وقد قال تعالى على لسان موسى -عليه السلام- وهو نبي الله: {قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى. وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِى. وَٱحْلُلْ عُقْدَةًۭ مِّن لِّسَانِى. يَفْقَهُوا۟ قَوْلِى. وَٱجْعَل لِّى وَزِيرًۭا مِّنْ أَهْلِى. هَـٰرُونَ أَخِى. ٱشْدُدْ بِهِۦٓ أَزْرِى. وَأَشْرِكْهُ فِىٓ أَمْرِى. كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًۭا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا. إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًۭا}.
وأنصحك بالقراءة في الهمة العالية، كما يمكن لك الاطلاع على الكتب الإدارية التي تتحدث عن تفعيل وإدارة الذات، وكيفية التغيير، وخذي من العلوم الأخرى ما يصلح بك دينك.. وفقك الله لما يحب ويرضى.
- د. مسعود صبري