استشاراتتقوية الإيمان

الوقوع في المعاصي مع الطاعة

  • السؤال:
أنا أصلي وملتزم، لكن برغم كل هذا أقع في المعصية فهل من حل؟

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الأخ الفاضل، حديثي معك في أمرين:

الأول: معنى الالتزام.
الثاني: الوقوع في المعصية رغم هذا الالتزام.

أما عن الأول، فلست أنكر عليك اعتبارك ملتزما، ولكن يجب أن نراجع أنفسنا في معنى الالتزام، فالالتزام له درجتان:

الأول: إتيان الأوامر واجتناب النواهي، وهذا ما يجب أن يشترك فيه كل المسلمين، ولم يكن حاصلا بالفعل بدرجة التمام، ولعل اللافت للنظر في القرآن الكريم أن الله تعالى جعل درجة الولاية لمن واظب على إتيان أوامره، والبعد عما نهى عنه، قال تعالى: {أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ}، فاشترط الإيمان والتقوى، التي هي فعل المأمور وترك المحظور.

وهناك درجة أخرى من الالتزام، وهي الزيادة على الفروض، وهي تعني درجة الحب؛ لأن العلاقة بين الإنسان ومن يحب يجب ألا تقف عند الحدود المرسومة، بل تتعداها إلى علاقة أشد التصاقا، ومن هنا، كان المحب مكثرا من الأعمال الصالحة التي يحبها مولاه، وهذه الدرجة من المحبة هي التي عبر عنها الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم: “ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمعه به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها”، ولكن يجب أن يفهم أن النوافل ليست قصرا على العبادات، وإنما هي زيادة عن كل ما افترض الله تعالى على عباده، في الإيمان والعقيدة، وفي السلوك والأخلاق، وفي العبادة أيضا.

وعلى أن الناس لا يوجد في حياتهم الفصل بين الدرجتين، فالغالب أن يذنب العبد في الوقت الذي يأتي فيه بعض النوافل.

وهذا يجرنا إلى الأمر الثاني، وهو أن الوقوع في الخطأ طبيعة بشرية، وفي الحديث: “لو لم تذنبوا، لأتى الله بأقوام غيركم، فيذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.” هذا يعني أن الإنسان سيقع في الخطأ، ولكن لا يقصد به أن يترك المسلم نفسه مذنبا بحجة التوبة، ولكن يقصد به إن وقع في الخطأ أن يسارع بالعودة إلى الله تعالى، وألا يتعمد الذنب؛ لأن تعمد الذنب يميت القلب، كما أنه يجب أن يجتنب الكبائر من الآثام والمعاصي، فإن وقع خطأ فليكن في الصغائر، وبهذا يضمن المرء أن يكون قلبه سليما، ويكون ممن قال الله تعالى فيهم {ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلْإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَ}.

والذي ننصحك به أن تكون دائم المجاهدة، فمن دوام قرع الباب يوشك أن يفتح له، وكلما سرت في طريق الطاعة، كلما رزقك الله كره المعصية والابتعاد عنها، قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ}، وكلما جاهد المرء نفسه أعلى الله تعالى درجته، فيرفعه من درجة لأخرى، حتى يكون في عليين عند رب العالمين، فأخلص النية لله، وجاهد نفسك واعزم على ذلك، فإن الله تعالى ما خيب من رجاه، وما رد من سأله الخير.

ونسأل الله تعالى لنا ولك الحفظ من المعصية، وندعو دائما: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
اللهم أحيي قلوبنا بطاعتك وذكرك، ولا تمتها بمعصيتك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى