- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله. عندما يبتلى الانسان فانه يجب عليه الصبر ثم الرضا وهي منزلة اعلى من الصبر، فهل بكاء المبتلى عند الصلاة والدعاء بالرحمة يعد عدم رضا بقضاء اله؟ وكيف نصل الى حال السلف الصالح في الرضا بالقضاء؟ |
- الجواب:
البكاء ينبع عن إحساس وشعور إنساني لا يمكن لنا أن نكبته باسم الدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى لفراق ولده إبراهيم، وأعلن ذلك: “إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وما نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون.” بل حين بكى لموت ابنة ابنته وسئل عن هذا أخبر أنها رحمة، ولا علاقة بين البكاء على حال إنسان، وتذلله لله تعالى وأن يطلب منه رفع البلاء، وبين أن يكون عدم رضا بما قدر الله، إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين بكى ابنه وابنة ابنته كان رضيا بقضاء الله، وما طعن ذلك في مقام الرضا.
ونحن مطالبون بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والصورة الصافية للإسلام هي ما كان في الصدر الأول منه، أعني عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وهذا هو عصر السنة، وما سواه فهو اجتهادات بشرية، ليست حاكمة لحياتنا، فحين يأخذ إنسان بالشدة في نفسه، لا يعني أن هذه هي صورة الإسلام المطلوبة من كل أحد، وحين يجلد الإنسان قدمه بالسوط لأنها تعبت من قيام الليل، ليس هذا بسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل إنسان أدرى بإيمانه وما يقربه من الله تعالى، فقد يكون في الأخذ بالشدة تفلتا للنفس من أداء الواجبات، وقد يكون الأخذ بالرخص ضياع للدين، وقد يكون التوسط يجعل حياة الإنسان مستقيمة، ونفسه هادئة.
والإسلام لم يأت ليخلع الإنسان إنسانيته كبشر، بل هو بشر، يأكل ويشرب، ويضحك ويبكي ويعاشر ويفارق، بل يحكي القرآن الكريم عن النموذج البشري الكامل أقصد الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ}، {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ}.
والرضا محله القلب، فإن كان قلبك رضيا بما قدر الله، فابك إن شئت أو لا تبك، المهم ما وقر في قلبك، وسيرك الدائم في طاعة الله، وطلب لمرضاته سبحانه وتعالى، والبكاء رحمة من الله لعباده.
نسأل الله تعالى الصبر والرضا.
- د. مسعود صبري