استشاراتالدعوة

نصيحة في الغلو والتشدد

  • السؤال:
ما هي نصيحتكم في التعامل مع بعض الشباب الذي أصابه الغلو في الدين، فهو من أهل الخير لكنه التزم، وبدأ يقرأ من الكتب، ويشدد على نفسه وعلى من حوله بما فيهم زوجته التي تشكو من سوء معاملته؟

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل:

الغلو في الدين ينافي روح الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.” وقد قال صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”، وقد قال صلى الله عليه وسلم لصحابته في حكاية الأعرابي الذي بال في المسجد: “أريقوا عليه ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين”.
وكما أشار الإمام ابن القيم إلى أن الشريعة رحمة كلها، وعدل كلها.

وفي ظني أن التشدد نافع عن شيء أعتبره آفة الآفات في عصرنا، وهي: آفة السماع، وتسليم العقل والقلب للمشايخ والدعاة دون إعمال العقل، فهذه التبعية والتقليد الأعمى يورد المهالك، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ”لا يتبعن أحدكم دينه رجلا إن آمن؛ آمن، وإن كفر؛ كفر، فإنه لا أسوة في الشر.” 

فكثير من شباب اليوم حين يبدءون الالتزام يكون مصدر عبادتهم وعلمهم السماع، كما أن عددا من المشايخ الدين عنده الانشغال ببعض الجزئيات الفقهية التي هي جزء من الدين، غير أنها ليست كل الدين، فيتركون العمل بما هو متفق عليه، وينشغلون ويشغلون الناس معهم ببعض القضايا التي قضى الله تعالى أن تكون خلافية، وستبقى خلافية إلى أن يقوم الناس لرب العالمين.

وطريق الإصلاح يكون بالفهم، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه لأبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – حين قال له: “الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله، ولا سنة رسول الله”، فالفهم شيء مهم جدا، وهو أول الدعوة، وهذا الفهم عبر عنه القرآن بالعلم، فقال تعالى “فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك”.

وهذا الفهم في ظني يتطلب من الإنسان أن ينفتح على كل المذاهب والاتجاهات، وأن يطرح التعصب جانبا، فيقرأ للغزالي والقرضاوي، كما يقرأ لابن باز وابن عثيمين، فالكل علماء الإسلام، ومن الخطأ أن نترك مدرسة فقهية ونأخذ بمدرسة واحدة، فلكل مدرسة فيها مزاياها، وقد وهبنا الله تعالى عقلا نفكر به، ونميز ما يصلحنا عن غيره.

فإذا وصل الإنسان إلى درجة من القراءة والفهم، فعليه بكتب الأقدمين، الأقدمين كلهم، فإنهم أقل حدة من المعاصرين.

فمن العجيب أن ينشغل الدعاة بنقد بعضهم، فيخرج شيخ كبير شريطين يبين أخطاء أحد العلماء كما يراها هو، وليست كلها حوارات، ويتهمه بمعاداة السنة، بل يراه أكبر من هذا، وعلى هذه الشاكلة فخذ، ونضيع أوقاتا وجهودا يمكن أن تستثمر في إعادة أناس إلى طريق الله تعالى.

وخلاصة القول: إن التشدد لن يأتي إلى بالعلم والانفتاح على كل الثقافات، وأن نتعلم من الحياة ما ينفعنا في ديننا، وأن نخرج من القوقع الذي نحبس أنفسنا فيه، وليكن رائدنا في ذلك كتاب الله تعالى، ثم صدر التشريع. فإنه من الملاحظ أن التشدد لم يكن وليد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، وإنما هو وليد زمن سد الذرائع، والتحريم أولى من التحليل، والعزيمة مقدمة على الرخصة، مع أن كل هذه أمور غير مسلم بها، وإن كنا ندعو للعمل بها في حينها ووقتها، وأن نفرق بين ما يجب أن نلزم به أنفسنا، وما نعرضه على غيرنا.

ولعلي لاحظت أن عرض كثير من الأمور في كتب الفقه، تختلف في عرضها عن الكتاب والسنة، ولا يعني هذا التناقض، فالفقه اهتم بالأحكام الشرعية، وإخراج دساتير وقوانين يسير عليها الناس عند الخلاف، أو ضوابط يجب مراعاتها، لكن الصورة الكلية تبقى في الكتاب والهدي النبوي، اللذين نحن بحاجة إلى العودة إليهما بشكل أكثر تفصيلا.

نسأل الله أن يرزقنا الصواب والرشاد، وأن يعلمنا الأحب إليه سبحانه وتعالى. 

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى