استشاراتالدعوة

مع الحركة بلا روح

  • السؤال:
السلام عليكم..
منذ التحاقي بالحركة الاسلامية المباركة منذ أكثر من 13 عاما، وأنا أعمل كل أستطيع كي أخدمها، ولقبت في سبيل ذلك الصعاب، فسجنت وأوذيت وحرمت من الوظائف- لكني صبرت والحمد لله رب العالمين ولا زلت صابرا.
مشكلتي هي أني بعيد عن الأمور الروحانية، فلا ورد يومي لي، وأتعامل مع تكاليف (الاسرة الاخوانية) بشئ من التثاقل، وقد حاولت ترويض نفسي دون جدوي، ماذا أفعل؟

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل؛
تقبل الله تعالى منك ما بذلت في سبيل دعوتك، ونسأل الله تعالى أن يثقل به ميزانك، وأن يرفع به درجتك، وأن يجعله عنده في عليين، اللهم آمين.

أشكر لك صبرك هذا، وهو إن شاء الله تعالى صبر جميل، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ}، فهنيئا لك أن وفقك الله تعالى للصبر، وهو أمر شاق على كثير من الناس، فاحمد الله تعالى على نعمه وآلائه، واعلم أنك في خير حرم منه غيرك، فلا تقابل رزق الله تعالى لك بالصبر إلا صبرا، وتمثل قول يعقوب عليه السلام {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ}. وتذكر دائما قول الشاعر الحكيم:
”سأصبر حتى يمل الصبر من صبري …… وأصبر حتى يحكم الله في أمري.” 

 

  • أما ما تعانيه من الجفاف الروحي، أو الفتور الإيماني،

فاسمح لي بكلمة في هذا أوجهها للعاملين في حقل الدعوة بشكل عام، وهي:

يخطئ كثير ممن ينتمون إلى الحركات العاملة في حق الدعوة أن يكونوا آلات تحرك، فصلاة الفجر يجب أن تكون بالأمر أو التوصية، و الورد القرآني يجب فيه المتابعة، وغيرها من العبادات يجب أن تكون بشكل جماعي، ويجب على المسئول أن يتابع من معه، وهذا وهن يجب أن تتجاوزه الحركات كلها، بل إني أدعو العاملين في حقل الدعوة أن ينظروا إلى عوام الناس، فهم يحافظون على الصلوات في المسجد، وأولها الفجر، ولا يفوت كثير من الناس شيء من هذا، في غير الحركات من يحفظ القرآن، ويحافظ على ورده، ومن عوام الناس من هو أشد حرصا على الصيام وغيرها من سائر العبادات، فهل الحركة هي التي تعوق الناس عن أداء العبادات، كلا، إنه الوهم الذي يعيشه كثير من الناس داخل العمل الإسلامي، حتى أضحى أحدهم يجب أن يحرك في كل صغيرة وكبيرة، وأن كل شيء يجب أن يكون بتكليف، وكأن هذه العبادات هي للحركة وليست لله.

إن الله تعالى يسائل كل أحد وحده، دون أن يكون معه أحد، وحين نطالع القرآن الكريم نجد المسئولية الفردية هي الحاكمة، والجماعة أو الحركة عاملا مساعدا، للحفاظ على النفس، وكذلك أيضا لتنظيم العمل، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّآ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ}، وقال أيضا: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍۢ مُّحْضَرًۭا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوٓءٍۢ}، وقال تعالى: {وَٱخْشَوْا۟ يَوْمًۭا لَّا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيْـًٔا}، وغيرها من الآيات.

وهذا يدعونا إلى أن يدرك الإنسان أن قضية الإيمان والطاعة في أساسها قضية فردية، لا يتكل فيها على جماعة أو غيرها، وإنما يتوكل فيها على الله تعالى، ثم على نفسه، فما الذي يمنع الإنسان من أن يذهب إلى المسجد بعد سماع الأذان؟ وهل هناك مانع للمرء من أن يمسك بكتاب الله تعالى وهو في بيته أو في المسجد، أو حتى في عمله أو في حافلته التي يركبها ويفتح المصحف ويقرأ؟

إننا يجب أن نخرج من الوهم الذي نعيش أنفسنا فيه، وما بين الترك والفعل إلا شعرة دقيقة، هي ضعيفة كبيت العنكبوت، ولكن مشكلة الإنسان في عقله وما يعتقده.

نعم لا شك أن الجماعة تساعد الإنسان على الالتزام، ولكن اجعلها بشكل فردي، صاحب أخا لك في الله تعالى تتعاونان على طاعة الله، اقرآ القرآن سويا، قولا أذكار الصباح والمساء معا، صليا قياما معا، صوما معا، ولكن قبل هذا يجب أن يكون لك حال مع الله، لأنك عبد لله، والدعوات كلها تقوم على العبودية لله رب العالمين، فإن خلت الدعوات من أصلها الأصيل فلا خير فيها، وليست الدعوة محصورة في أن يقوم الناس بنشاط دعوي، إن مما تعج به كتب الدعوة الحديثة المقولة الشهيرة: أصلح نفسك، وادع غيرك، ولا تتم الدعوة بالانشغال بالغير دون الاهتمام بالنفس.

أخرج أخي من نفسك هذا النشاط والحيوية ليكون له ترجمة حقيقية في حياتك، ودعك من التكاسل، وادع دائما بقوله صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”.

اجلس مع نفسك، واسألها: لماذا أنا متكاسل عن طاعة الله؟ وأين حب الله تعالى في نفسي؟ وأي دعوة أنا أدعو الناس إليها؟ وكيف هي في حياتي؟
وماذا يتطلب من الدعاة إلى الله تعالى في مقام العبودية؟

إن الواجب على الدعاة أن يكونوا أكثر الناس طاعة لله، ولكن للافت للنظر ومن العجيب الغريب أن كثيرا من العاملين في حق الدعوة يشتكون من ضعف الإيمان والفتور، وهذا مما يؤخر نصر الله تعالى للأمة، بل يصيب الدعوة بأزمات ونكبات هي في غنى عنها، فلا تلق الملومة على جماعتك، ولكن لم نفسك فأنت عبد لله تعالى قبل أن تكون عاملا في حركة، وإن الله تعالى لن يسألك في أي الجماعات كنت، ولكن وازن بين طاعتك لربك وبين عملك في دعوتك، حتى تعدل الكفة، وانظر إلى ما صنعه جحا الحكيم حين أمر الأمير بالعدل وعدم الظلم، فقرر الأمير طرده، فتحايل عليه جحا حين أخذ أمتعته على حماره، فجعل جانبا منها ثقيلا و الآخر خفيفا، فرآه الأمير وزوجته وهو لا يستطيع المشي، وقال له: لو كان لك عقل لجعلت هذه الكفة مثل الكفة الأخرى، فقال له جحا: قلنا هذا، قلت: اخرجوا من البلد.

فوازن بين كفتيك أخي، واعلم أن نيتك الصادقة ستسوقك إلى التغيير الأفضل في حياتك، بشرط العمل، والعزم الصادق على التغيير، وكثرة التبتل إلى الله تعالى.

وفقك الله لما تحب وترضى، وإني أستبشر أنك ستبدأ من الآن بالتغيير، قم وأمسك الورقة والقلم واكتب بتمهل وروية ما ستغيره في حياتك.
وأنا في انتظار بشائرك. 

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى